آخر تحديث :الأحد-01 يونيو 2025-08:51ص

استراتيجية كسر المشروع السلالي .. الشرعية الغائب الأكبر !

الجمعة - 09 مايو 2025 - الساعة 02:29 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


المقال الرابع عشر: استراتيجية كسر المشروع السلالي : الشرعية الغائب الأكبر !


(ضمن سلسلة مقالات: صرخة وعي: قراءة في استراتيجية التحفيز)

—---

بعد مرور عقدٍ من الزمن على اندلاع المعركة الوطنية لاستعادة الدولة اليمنية، يحق لنا أن نعيد تأمل مشهد المواجهة في ضوء التحولات الإقليمية والدولية، ليس بهدف مراجعة الخيارات فحسب، بل لترسيخ الفهم الاستراتيجي لطبيعة العدو ومشروعه السلالي، وتحديد خارطة الطريق لهزيمة الانقلاب الحوثي الذي لا يزال يمثل التهديد الأبرز للدولة اليمنية مستقبله.


# معركة الدولة أم استجابة آنية؟


منذ اليوم الأول، أكدت القوى الوطنية أن المعركة ضد ميليشيا الحوثي ليست استجابة لمتغيرات خارجية، بل ضرورة وطنية بامتياز فرضها انقلاب دموي على مخرجات حوار جامع، وسقوط مؤسسات الدولة في قبضة أقلية طائفية تسعى لإحياء نظام سلالي بائد.

هذه الحرب لم تكن خيارًا، بل فرضتها طموحات المليشيا التي رفعت شعار "الولاية" فوق مفاهيم الجمهورية والمواطنة، واحتكرت القرار السياسي والثروة والسلاح باسم "العِترة" والحق الإلهي.


إن التوصيف الدقيق لطبيعة المعركة هو أساس الانتصار، فلا يمكن خوض حرب على مشروع طائفي بوعي سطحي أو لغة دبلوماسية مائعة. إنها معركة مصيرية من أجل استرداد الدولة، لا يمكن تعليقها على تحولات الإقليم أو تفاهمات المجتمع الدولي.


# المشروع الحوثي كأداة بيد إيران


كلما حاول الحوثي تغليف مشروعه القائم على التمييز السلالي بشعارات "فلسطين" و"العداء لأميركا"، انكشف زيفه أمام اليمنيين. لم يعد خافيًا أن القرار الحوثي مصادَرٌ بالكامل لصالح غرفة عمليات في طهران.

قرار وقف استهداف السفن الأميركية لم يُتخذ في صنعاء، بل فُرض من طهران في سياق تفاوضي مع واشنطن لإعادة تحريك الملف النووي الإيراني. وهذا بحد ذاته يعري ادعاء الحوثيين بأنهم أصحاب مشروع مقاوم مستقل.

لقد أصبحت المواجهة في البحر الأحمر مرهونة بسقف المفاوضات في مسقط، لا بعقيدة الحوثي ولا بنزق المواقف التعبوية. لم تكن فلسطين يومًا في أجندة هذه الجماعة، بل كانت جسرًا خطابيًا للعبور إلى الشرعية الزائفة.


# ضجيج الغارات وصمت الجرائم


الغارات الأميركية على صنعاء لم تكن تستهدف الحوثي وقوته العسكرية، بل هي رسالة للشعب اليمني بسبب وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني، وهذه الضربات رغم محدوديتها على الحوثي، أثارت ضجة إعلامية من قبل الجماعة، رغم إعلان واشنطن أنها غير معنية بالداخل اليمني وستوقف عملياتها إذا توقفت الهجمات على الملاحة الدولية.

لكن ما يجب ألا يغيب عن بال اليمنيين أن المعركة الوطنية لا تُبنى على "الضربات من الخارج"، ولا تُهزم مشاريع السلالة عبر الاستجداء الإقليمي.

الحل الجذري لا يكمن في انتظار المتغيرات الدولية، بل في بناء إرادة يمنية صلبة ومتماسكة تدير معركتها بنفسها، وتحشد قواها في كل الجبهات العسكرية، والسياسية، والثقافية، والاقتصادية.


# استراتيجية النصر تبدأ من الداخل


إن هزيمة الانقلاب الحوثي ليست مهمة دولية، بل واجب وطني يبدأ من الداخل، ويتطلب عدة مرتكزات استراتيجية، في طليعتها دور مجلس القيادة الرئاسي باعتباره القيادة الشرعية العليا للبلاد.


فلا يمكن كسب المعركة دون أن يكون مجلس القيادة موحد الإرادة، واضح الاتجاه، حاضرًا في الميدان، لا في دائرة الانتظار. إن توحيد كلمة المجلس، وتجاوز الخلافات الثانوية، وإعادة تشكيل نفسه كقيادة حرب فاعلة، يمثل حجر الأساس في أي مشروع وطني لإنهاء الانقلاب.


عودته إلى العاصمة المؤقتة عدن ليست مجرد إجراء رمزي، بل استعادة للقيادة السياسية لموقعها الطبيعي في قلب المعركة. فالجبهة السياسية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية، ووجود المجلس داخل الوطن يبعث برسالة ثقة ويمنح الأداء الحكومي والميداني زخمًا كبيرًا.


إلى جانب ذلك، فإن عودة الحكومة بكامل وزرائها إلى أرض الوطن باتت ضرورة ملحة لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتوفير الخدمات للمواطنين، وتفعيل السلطات المحلية في المناطق المحررة، ما يعزز مناعة الدولة في وجه التآكل والانقسام.


وإلى جانب ذلك، فإن خارطة النصر تتطلب ما يلي:


1. تحرير الخطاب الوطني من التبعية للخارج، والعودة إلى التأكيد بأن المعركة مع السلالة مشروع تحرر داخلي، لا حرب بالوكالة.


2. إعادة بناء مؤسسات الشرعية على أسس الكفاءة والتمثيل الوطني الحقيقي، بعيدًا عن المحاصصة والشللية.


3. توحيد القوى الوطنية حول الهدف المركزي: استعادة الدولة، وكسر كل النزعات الانقسامية التي تخدم الحوثيين في نهاية المطاف.


4. تنشيط الجبهات القتالية وتحريك العمق الشعبي عبر خطاب تعبوي يفضح زيف المليشيا ويعيد الاعتبار لقيم الجمهورية والمواطنة.


بهذه الأسس يمكن الانتقال من حالة الدفاع إلى مشروع الحسم، ومن حالة الاستنزاف إلى مشروع الدولة القادرة.


# من الانكشاف إلى الانتصار


لقد انكشف المشروع الحوثي السلالي من الداخل والخارج. لم يعد بمقدوره التستر خلف الشعارات الزائفة، ولا التواري خلف مفاوضات عبثية.

والآن، باتت الكرة في ملعب مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والقوى الوطنية لاستكمال معركتها لهزيمة الانقلاب.

اليمنيون لا يطلبون معجزات، بل قيادة تتحمل المسؤولية وتعود إلى الميدان. الشرعية اليوم أمام لحظة اختبار حقيقي: إما أن تستعيد زمام المبادرة وتوحّد نفسها وتقود المعركة من الداخل، أو تظل غائبة، فتتحول معركتها إلى مجرد إدارة أزمة لا مشروع استعادة وطن.


النصر ليس قدرًا، بل قرار. ومن عدن يجب أن يصدر هذا القرار.


—--------------------

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الجمعة ٩ مايو ٢٠٢٥م