آخر تحديث :الأحد-25 مايو 2025-03:21ص

ذكريات المعتقل -الحلقة الثالثة

السبت - 10 مايو 2025 - الساعة 01:10 ص
علي شايف الحريري

بقلم: علي شايف الحريري
- ارشيف الكاتب


عيد الحريري.. اليوم في عيدين، أهلًا وسهلًا قالت الضالع

الحلقة الثالثة

انطلق بنا سائق السيارة من صنعاء، وكان الوقت بعد منتصف الليل، وكانت وجهتنا مدينة الضالع، بعد أكثر من عام.

كنتُ أجلس في المقعد الأمامي، وفي الخلف كان الأخ محمد الربيعي. كان الجو باردًا، وعند مرورنا بالنقاط الأمنية لاحظنا أن الجنود يرتدون ملابسهم الشتوية.

تجاوزنا عدة نقاط، وكان السائق رجلًا كُفؤًا، يحاول جاهدًا ألا تُكشف هويتنا، وهو يعلم أننا مطلوبون مرة أخرى لنظام صنعاء. ساعد في تجاوز النقاط كونه ضابطًا في معسكر الضالع، ولهذا لم يتم التدقيق علينا؛ كانوا يكتفون ببطاقته العسكرية، ويخبرهم أننا جنود في الضالع.

عندما بدأ الصباح بالظهور، كنا تقريبًا في دمت، حيث تناولنا وجبة الفطور. كان الأخ شلال، والشنفرة، والمعطري، والفقيد علي مقبل، والأخت زهراء صالح في تواصل مستمر معنا، وتم تحديد نقطة الوصول في سناح، كونها مؤمّنة من قِبل المقاومة الجنوبية.

بدأنا نقترب من سناح في حوالي الساعة التاسعة صباحًا، وكان الأخ شلال يبلغنا أن هناك اشتباكات مع قوات الاحتلال، وأن علينا أن نكون حذرين وجاهزين لأي مستجدات ميدانية.

وصلنا إلى سناح، ونظرتُ إلى ميدان الأحداث، وكان الأخ غسان عيسى السرافي معي على الخط مفتوحًا.

كان الميدان عبارة عن جنود من قوات الاحتلال منتشرين بكثافة وسط السوق وعلى الطريق، وقد نصبوا نقطة تفتيش، يبحثون فيها عن القادمين من صنعاء. في الجهة المقابلة من الطريق، كان يتمركز شلال شائع، والمهندس عبدالله الضالعي، وغسان عيسى، وزهراء، والشنفرة، وقيادات الحراك على تل مرتفع قليلًا.

حاول الجنود إيقاف السائق، فأخرج بطاقته العسكرية وقال لهم: "أنا ضابط في الضالع، لا تشطّرو عليّ، روّحوا تشطروا على الحوثي في صعدة"، وكانت حينها الحرب دائرة في صعدة وبني حشيش. علمًا أني كنت معتقلًا مع محمد علي الحوثي، وأبو علي الحاكم، وشقيق عبدالملك الحوثي، وفارس مناع، وقيادات حوثية كبيرة.

كان غسان لا يزال يعطينا الإحداثيات، وفي وسط الخط الممتلئ بالجنود، راودتني فكرة. قلت للسائق: "قف، ننزل هنا"، فقال: "ما يصح، هنا خطر، شوف الرصاص كيف! اشتباكات بين العسكر وأصحابكم، والدشكا شغّالة!"
قلت له: "قف ولا تقلق علينا".

نزلنا من السيارة وسط الجنود، وكانت تفصلنا خمسون مترًا عن أصحابنا. قلت لغسان عيسى: "تشوفني الآن؟ أنا اللي بين العساكر"، قال: "تمام، تقدَّم".
تقدمت، وكان الشهيد المهندس عبدالله الضالعي وأحمد الزوقري قد نزلوا من السيارة وفتحوا الباب لي، وكانت هناك رماية بالرصاص وقنابل مسيلة للدموع، وقبل أن نقطع عشرة أمتار، تعرّف علينا الجنود، لكننا ركبنا السيارة سريعًا، والتحم الموكب ومضينا. في ذلك اليوم، جُرح من أصحابنا ستة أشخاص، بينهم الإعلامي ردفان الدبيس، وتم اعتقال 33 جنوبيًا.

تحرك الموكب الكبير باتجاه الضالع، فقال لي الشهيد عبدالله والزوقري: "اركب في الخلف، والزوقري سيجلس بجانب النافذة ويشير للجماهير على أنه أنت، حتى لا يتم قنصك من باب النكاية بنا".
قال لي: "ابقَ خلفنا حتى لا يقهرونا في هذا اليوم العظيم".

وكانت الجماهير تردد زاملًا ينزل بلسمًا على القلب:
"عيد الحريري اليوم في عيدين.. أهلًا وسهلًا قالت الضالع."

كان ذلك صباح عيد الفطر المبارك.

وصلنا إلى ميدان الصمود، أنزلونا من السيارة، وفجأة وجدت نفسي محمولًا على عنق أحد الأبطال، علمت فيما بعد أنه الشهيد البطل علي حنش الحريري.
أوصلني الشهيد إلى قرب المنصة، ثم أخذ بيدي شلال والمعطري.

كنت قد فقدت صوتي بسبب العصير الذي شربته في الأمن القومي في اليوم الأول من الاعتقال. وعندما حاولت الكلام، شعرت وكأن سكينًا يقطع حنجرتي.

قال لي شلال: "التفت إلى الجماهير، هل هذا يرضيك؟"
قلت: "أكيد نعم"، شعرت حينها أن عذاب السجن قد زال، وأنا أرى أبناء شعبي تركوا أولادهم يوم العيد وجاؤوا لاستقبالي.

شعور لا يُوصف.

بعد انتهاء مهرجان الاستقبال في ميدان الصمود، توجه الموكب صوب حرير، مسقط الرأس. وكان يومًا لا يُنسى. أحاط بي زملاء الدراسة الإعدادية والثانوية، وأصدقاء الطفولة والشباب:
محمد مثنى أبو رعد، وعبدالفتاح أبو جساس، وأنيس سيف الو بشار، وعزالدين طالب راشد.

كنا في سيارة واحدة نستعيد ذكريات الماضي. مررنا بقرية "مرات"، وعند وصولنا قرية "عدينة"، أُطلقت الأعيرة النارية والزغاريد، وتم إيصالي إلى بيت عمي الشيخ قاسم – رحمه الله.
وهناك ألقى الأخ العميد قاسم الرياشي قصيدة شعرية، ثم ألقى الدكتور أحمد عبدالقادر كلمة رحّب فيها بالحاضرين.

أما أنا، فقد كانت آثار السهر بدون نوم لمدة يومين تنهكني. كنت أرى بلاط المجلس يرتفع إلى السقف من شدة التعب...

وهنا تنتهي قصة الخروج من المعتقل. وسوف أعود لاحقًا لكتابة ما سبق من الأحداث، حسب طلب الإخوة المهتمين بالتوثيق.

علي شايف الحريري