في خور مكسرَ الأبيّةِ بمحافظةِ عدنَ البهيّةِ، على ضوءِ أعمدةِ إنارةِ الشارعِ المُضاءةِ بألواحِ طاقةٍ تبرّعت بها شركةٌ تجاريّةٌ، جلستِ الأسرةُ تتسامرُ في صالةِ شقّتهم بالدورِ الثاني.. الأبُ، والأمُ، وفتى وبنتان. وفي ساحةِ العروضِ القريبةِ من العمارةِ، وعلى هديرِ محركٍ خاص، تجمَّعَ عشراتُ السكانِ لمتابعةِ القمّةِ الكرويّةِ “الملكي وبرشلونة”.
وفي خضمِّ الحديثِ بين الأسرةِ عن الوطنِ وما حاقَ به من العبثِ وضياعِ السيادةِ على يدِ من ظنَّهُم الناسُ مُنقِذين، فإذا بهم مُنقَادِين، قال الأبُ: واللهِ شوفوا، كل هذا من صُنعِنا نحن. لا تقولوا لي مَقوَلة وطُرَيق. من ماسك عدن اليوم؟ ومن قادتها وأمنها؟ هااااه جنوبيين زينا ولا مِن موزمبيق؟
قالت أصالةُ: يا أبَه، صح كلامك، لكن أيش تشتيهم يسوّوا؟! ولا شي بيدهم. شربهم وأكلهم وبترولهم ومصروفهم وسلاحهم من هناك. يعني طلعتهم ونزلتهم تابعة لذولاك.. ولا تنساش بند الـ7 أب.
– ههههه واللهِ إنك شاطرة، أيش من كُليّة تدرسي يا بنتي؟ شوفي أنا قد نسيت.
– آااوو يا أبَه، كيف نسيت؟ أني سنة ثانية حُقوق.
– وأكيد تعرفي تقولي “قوووق”!
وضحك الجميعُ.
وقال الأبُ: على ذِكْرِ التحالف اللي مدري نحن جبناه، ولا هو كَشَح نفسه بالغصب، وقد كل شي له مرتب.. تدروا أنه من زمان وبلادنا تدفع الثمن مُدَبَّلاً من بعد هذي الوصاية والحماية.
– قصدك تقول: البند السابع قدّه على رقابنا من زمان؟
– أيوه يا ابني، شُفْ، لما اعتنق الملك الحميري ذو نواس اليهوديّة، حَرَّق نصارى نجران في أُخدود، وذا هَلُه في القرآن: “والسماءِ ذاتِ البروج”.
– نجران مش سعوديّة؟!
– كانت في ذاك الوقت يمنية قُحّ.. بعدين نحن هبيناها لهم، حق مخوة ونخوة.
– هبيناها لهم هاااااه.. طيب وبعدين.. كمل يا مرجعية الحافة.
هكذا قالت زوجته بلكاعة. نظر نحوها وقال: تمام يا أفندم.
– المهم.. واحد من نجران هرب إلى بيزنطة، وطلب منهم الحماية والانتقام من اليهودي ذو نواس. قام قيصر وأرسل رسالة لملك الحبشة. قال له: اليوم عليك يا بو الرجال، تحرّك. وما صَدَّق أبو عينها، من ساعته قفز وجهّز الجيش ورسلهم لنا بقيادة واحد اسمه أرياط.. وتقابلوا في عدن، ووقع يوم أغبر.. طح وانبطح.. وهب له يهب لك. لكن جنودنا ما كانوش مخلصين للقضيّة.. كانت الوطنيّة عندهم زيرو. قاموا فركوا بُه، قالوا له: دبِّر نفسك، مالناش دخل في بَكْ. وفاز الأحباش على جيش التبابعة.
– طيب يا أبَه، ليش عدن هي دايمًا اللي يقع فيها بِه قَح بُمْ؟
– مدري يا بنتي! يعجبهم يطنوا الريدي عندنا، ويخلوها مدقدقة مرعبلة.
– أووه قلبي عليك يا عدن.. (بتنهيدة قالتها أمُ العيال).
– هات يا حاج أصيل هات.
– المهم، ما مع ذو نواس المهزوم اللي فرك به أصحابُه إلا دخل بفرسه البحر.. وغَرَّق نفسه.
– رَجَّال أسد، الموت ولا البهدلة، قالت الصغرى بصوتٍ حادّ.
– اسكتي لك، لو هو رَجَّال صح، كان با يسُدّ مع أصحابه ويرتب أموره زي الناس بدل القنفزات الفاضية وذِبَّاح المساكين.
– المهم.. باقي جيشنا راح وانضم لجيش الحبشة.
– أاااه كيف دا؟ مش هم جيش وطني حقنا؟! كيف ينضموا لدولة ثانية تتحكم فيهم وفينا؟ ومش هو جاء يساعدنا؟! مدري يحررنا، وبعدين يروّح له؟
– يا حُرمة، اصبري وباتسمعي الخُبّارة كيف.
– تمام، واصل هدرتك، وأنا باصلّح شاي، وقدني أسمعك.
قال: أصلاً الأحباش عجبهم الجو حقنا، فقرروا يجلسوا هنا ويحققوا لقيصر أطماعه فينا. وجلسنا مراعين متى با نستلم السيادة والحُكم. ومت يا خيل. لا طُرِي ولا بُورِي. جِبناهم للاستقلال، شلوا الحريوة مع الجمّال.
– الله يشلهم، قليلين الخير.. قالت أصالة.
– المهم يا عيالي، حكمونا نصف قرن، تعبثوا بنا، وزادوا الجعث فوقنا وبيد العسكر حقنا. ولما زاد البلاء، قرر أصحابنا الخلاص من الحبشة بأي ثمن. قام المناضل سيف بن ذي يزن يشحت التدخل الأجنبي.
– أييهييي يااااه! يعني نطرد أجنبي جبناه بأجنبي جديد، بانروح نجيبه علشان يطرد الأجنبي القديم اللي نحن من أول جبناه؟! أيش ذا العك والهبالة؟
– هو ذا الحاصل يا بنتي. هي كذا عقول أصحابنا من زمان. المهم، راح عند ملك الفرس، وقال له: تعال حررنا من الأحبوش. ووافق كسرى بعد ما طمّعه ذو يزن فينا، بأن جبالنا فضة ورمالنا ذهب. والمصيبة أن كسرى ما أرسل معه جيش نظامي، لا.. دهف له 800 سجين فارسي محكوم عليهم إعدام، وعين عليهم قائد اسمه وهزر. وفاز ابن ذي يزن بمرتزقة من سجون فارس.
– يعني زي أصحاب بلاك ووتر ومدري ايش اسمهم الثانيين اللي نسمع بهم ذلحين؟
– أيوه يا ابني! واهجع لك من تحليل الدويري! أنا أفدى قلبك، والسجن حمى، على قولة العنبري.
– المهم، لما بسط الفرس نفوذهم، قالوا: وكيف ذلحين؟ ذي بلاد ما حد يخليها.. فيها جزر غنيّة، وثروات، وخيرات من بحر وبر، ومواقع للتجارة والحروب.. بانصلّح فيها قواعد عسكرية بحرًا وبرًا. فقرروا يستلم الحكم مناضلنا، بس وهزر الفارسي با يكون المندوب السامي. يعني الحكم رسميًا لنا، وفعليًا لهم.. يعني زي كل مرة، طلعنا نُفَاخَة على الفاضي. وبعد ما مات مناضلنا الثوري الرئيس الصوري، حكمنا وهزر، وابنه المرزبان، وأحفاده، وآخرهم باذان اللي أسلم في السنة 6 للهجرة، وبعدها دخلنا مع الأمة العربية.
– وخلصت القصة؟
– لا، ما خلصتش، عاد نحنَ في به إلى اليوم.. ملطشة لمن هب ودب.. حَبَش وفرس وإنجليز وبرتغال وتُرك.. وختمتوها لنا بذولا الجُدد.
– يا حَجّة، عاد الأولين كانوا أصحاب تاريخ وحضارة قرون وقرون.. بس اللي ذلحين، حيا الله، من مئة سنة وتحت.
– وكيف ذا يقع؟! مش تقولوا نحن أصل العرب؟ طلعتوا خُرطي مُرطي.
– وبحدة قال الأب: لا، لا تغلطي يا حَجّة، نحن الأصل، وهم من سلالتنا، جيناتهم جيناتنا.
– هيّا أُصّ ولا نخس، عادك تتنفخ! قُمْ جيب القلاصات واسكب الشاي. لو أنت أصيل هشتي بشتي.. أنا أم أصالة.. أصل وفصل.. مش فيفتي فيفتي.
ودوّى تصفيقُ الشعبِ وهتافُهم في الصالةِ.. وطغى عليه صفيرُ الجماهيرِ وزعيقُهم في الساحةِ.
هدف برشلونة.. صفر ريال مدريد.
أبو الحسنين محسن معيض