ضمن سياق وطني تتسارع فيه التحولات وتتفاقم فيه التحديات، تصبح المشاركة الفاعلة في إدارة الشأن العام ضرورة لا تقبل التأجيل. فحين تتراكم مظاهر التهميش، وتغيب العدالة في توزيع الأدوار الوطنية، تتزايد الحاجة الماسة إلى إجراء مراجعة شاملة لآليات تمثيل المكونات السياسية، بما يضمن تحقيق الإنصاف ويعزز وحدة كيان الدولة. ولا يجوز أن تبقى المدن الكبرى، ذات الإرث التاريخي العريق والدور الوطني الممتد، خارج معادلة اتخاذ القرار، أو أن تقتصر أدوارها على الشعارات والمناسبات الرمزية فقط. فتمثيلها الحقيقي يعكس قوة الدولة ويؤسس لاستقرارها. وعدن، بما تمثله من رمزية سياسية وثقافية واقتصادية، كانت – ولا تزال – منارة مدنية وركيزة أساسية في تاريخ الدولة الوطنية المعاصرة، ولا يجوز أن يستمر تغييب صوتها أو تهميش حضورها المؤسسي.
على أبناء عدن أن يعبّروا عن تطلعاتهم بأسلوب سلمي راقٍ ومسؤول، وأن يخرجوا عن دائرة الصمت والمراقبة المتحفظة، عبر ممارسة حقوقهم المدنية والقانونية في التعبير الواعي والمنظّم، للمطالبة بحقهم المشروع في المشاركة العادلة في جميع دوائر السلطة، السياسية والإدارية والاقتصادية، محليًا ومركزيًا. فقد طال الإقصاء، وتراكم التهميش، وتوالت السياسات التي جعلت من أبناء هذه المدينة التاريخية مجرد متابعين لمشهد لا يمثلهم، ولا ينصف تضحياتهم، ولا يستجيب لطموحاتهم المشروعة في المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. لن تكون ممارسة هذا الحق المدني تعبيرًا عن احتجاج عابر، بل خطوة وطنية مدروسة تنبع من إدراك عميق بأن الحقوق لا تُمنح إلا حين يُطالَب بها، وأن المشاركة لا تتحقق إلا حين تُنتزع عبر الوسائل السلمية المشروعة، وفق الأطر الدستورية والقانونية التي تتيح للمواطنين التعبير عن مطالبهم بوعي والتزام. وعلى أبناء عدن أن يجسّدوا هذا الإدراك عبر دعوة واضحة لتمكينهم من اختيار محافظ من أبنائهم، شخصية وطنية تُمثل المدينة تمثيلًا حقيقيًا، تُدرك تفاصيلها وتفهم أولوياتها، وتعبّر عن هموم سكانها، بدلًا من أن تُفرض عليهم قيادات لا ترتبط بهم وجدانيًا أو معرفيًا، ولا تعكس المزاج العام لأبناء المحافظة. كما أن المطالبة بتمثيل عدني ضمن المجلس الرئاسي تُعد مطلبًا مشروعًا ومنطقيًا، أسوة بما تحظى به بقية القوى الوطنية من حضور في مواقع صنع القرار. فعدن ليست كيانًا ثانويًا في معادلة الحكم، بل شريك أصيل يجب أن يكون له صوت واضح وحضور فاعل في صياغة السياسات العامة، بما يحقق التوازن الجغرافي والتنوع الوطني ويعزز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. لقد أثبت أبناء عدن، عبر تاريخهم، أنهم رافعة وطنية لا يُستهان بها، ومكون وطني أصيل لا يمكن تجاوزه أو تجاهله. ولذا، فإن مطالبتهم اليوم بالمشاركة العادلة في هياكل الدولة ليست تطلعًا إلى امتياز، بل تعبير عن حق دستوري وأخلاقي يجب أن يُصان، وشرط لا غنى عنه لتحقيق العدالة والتنمية والاستقرار المستدام. أما استمرار تهميش عدن وأبنائها، فهو تكريس لنمط من الحكم يفتقر إلى التوازن، ويقوّض أسس المواطنة المتساوية التي تمثل جوهر الدولة العادلة. إن رفع الصوت والمطالبة بالإنصاف لا يعني تهديدًا للاستقرار، بل هو دعوة لتصحيحه، ورسالة حضارية تؤكد على أن مدينة بحجم عدن، بتاريخها وإرثها ونضالاتها، لا يمكن أن تظل على هامش السلطة والقرار. ومن هذا المنطلق، فإن أبناء عدن حين يمارسون حقهم المشروع في التعبير والمطالبة، فهم يشاركون في بناء وطن يتسع للجميع، ويتطلعون إلى دولة قائمة على مبدأ الشراكة والعدالة، لا الإقصاء والتفاوت. إن اللحظة الراهنة تستدعي من جميع أبناء عدن أن يتحلّوا بالوعي والوحدة، وأن يصوغوا خطابهم بلغة وطنية مسؤولة، تستند إلى القانون وتستمد قوتها من الحق. فلن يكون في حراكهم إلا دعوة للإصلاح، وتذكير بأن المشاركة ليست منحة، بل ركن أساسي من أركان الدولة الحديثة.