كأن اليمن منذ الأزل جرحٌ لا يندمل، وطنٌ يطل من حافة المجد، فيطمع فيه الطامعون من كل اتجاه، تتزاحم عليه الأطماع كما تتزاحم الأمواج على صخرة صامدة، لا تكسرها ولكنها تُبقيها مبلّلة بالحذر،
تُحاك المؤامرات في العواصم البعيدة، وتُنفَّذ بأيادٍ قريبة، في مشهد تتداخل فيه الخيانة بالتواطؤ، وتغيب فيه البوصلة الوطنية إلا عن قلوبٍ لا تزال تنبض باليمن،
ليست المؤامرة غريبة على بلدٍ عظيم كمثل اليمن، فهو التاريخ حين ينهض، والجغرافيا حين تتمدد، والإنسان حين يتجذر في أرضه كما تتجذر الدماء في العروق،
لكنه اليوم محاصر، لا بسلاح العدو وحده، بل بضعف الصف الوطني، وتراخي القرار الشعبي، وشراهة الفاسدين الذين يبيعون الوطن برغيف منصب أو رشفة مال،
لكننا نؤمن أن لكل ليلٍ آخر، ولكل مؤامرة رد، ولكل شعب مصيره بيده، إن أراد،
فما الحل؟
الحل يبدأ من نقطةٍ واحدة: الوعي،
أن يدرك اليمني أن إنقاذ الوطن ليس مهمة شخص، بل مهمة شعب، وأن التغيير لا يأتي من الخارج، بل ينبع من الداخل،
أن يفهم أن الطعنات لا تأتي دوماً من سيوف الأعداء، بل أحياناً من أقلام مدفوعة، أو إعلام مأجور، أو مسؤول خان الأمانة،
لابد من التوحد حول القيادة الشرعية، لا لأنها بلا عيوب، بل لأنها آخر جدار يقف أمام الانهيار، وآخر ورقة في دفتر الدولة، وعلى رأسها رجل لا ينام من همّ البلاد، يعمل بصمت، محاصر بالخذلان، لكنه ماضٍ في الطريق كما يمضي الجندي في حقل ألغام، لا خيار له إلا النصر،
ثم لا بقاء للوطن إلا بدولة مؤسسات، تُبنى بالعدالة لا بالمجاملة، تُقاد بالقانون لا بالأهواء، وتُطهر من الفساد كما يُطهَّر الجسد من المرض، مهما كانت الجرعة مُرّة، ومهما صرخ المنتفعون،
وإن الإعلام الوطني اليوم هو السلاح الذي إما أن نحارب به، أو يُستخدم ضدنا،
لا نريد إعلاماً يُطبل، بل إعلاماً يُوقظ، يُحذر، يُرشد، ويفضح كل مؤامرة تُحاك في الظلام،
ويبحث عن الصح والخطاء ويضع المشكلة، والمعالجة، او الحل،
إن المؤامرات لا تهزم الأوطان، لكن الانقسام يهزمها، والسكوت عن الظلم يُسقطها، والتشكيك في الوطنيين يُسلمها للطامعين، ما أحوجنا اليوم إلى وعيٍ جمعي، يقف مع الوطن لا مع الأسماء، مع الحقيقة لا مع الشائعات، ومع الجيش والأمن، لا مع المليشيات،
وما أحوجنا إلى مصالحة لا تقوم على تقاسم المناصب، بل على تقاسم الهمّ الوطني، وإعادة صياغة الحلم المشترك، فالوطن ليس عقاراً يُقسّم، بل أمانة يُصان، وميراث أجيال لا يجوز أن يُهدَر في سوق المناكفات، ان لم يكن من اجلك اليوم فمن اجل ابنك غداً،
أما التنمية، فهي الحصن الذي يحمي الشباب من التطرف، والقرى من الفقر، والقلوب من اليأس، كل مشروع صغير هو طلقة في صدر المؤامرة، وكل عمل شريف هو رصاصة في وجه الفساد، وكل قطرة ماء تصل إلى قريةٍ نائية هي خنجر في خاصرة اليأس،
نعم، اليمن محاصر، ولكن الوعي أقوى من الحصار، والإرادة أمضى من السلاح، وإذا الشعب قرر أن يعيش، فلن تنجح في قهره كل المؤامرات،
وكما قال الشاعر:
إذا الشعب يوماً أراد الحياةَ... فلا بد أن يستجيب القدرْ
ولا بد لليل أن ينجلي... ولا بد للقيد أن ينكسرْ،
فانفضوا عن قلوبكم غبار الخذلان، وامضوا بوطنكم نحو فجرٍ جديد، وإن طال الظلام .