آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-05:44م

من الشعب نهوض دولته

السبت - 17 مايو 2025 - الساعة 11:06 ص
عبدالناصر محمد العمودي

بقلم: عبدالناصر محمد العمودي
- ارشيف الكاتب



تنهض الأمم بنهوض شعوبها، وتستقيم شؤون الحكم بشرعية سلطتها. إنها معادلة جوهرية لا تتحقق عبر الأعداد أو المناصب، بل من خلال مثلث التكوين لهرم بناء مفاصل الدولة، وذلك بالانسجام بين شرعية القيادة، وصدق التمثيل، وكفاءة الأداء.


في الحالة اليمنية، تتجلى الصورة منذ رأس الهرم ممثلًا بالرئيس الشرعي المنتخب، مرورًا بنواب الشعب، ووصولًا إلى أصغر مسؤول أو جندي، لا بناءً على المحسوبية أو الولاء، بل على أساس الجدارة والاستحقاق.


لكن الواقع اليمني الحالي يعكس تشابكًا في البنية المؤسسية، يحمل بين طياته الكثير من التعقيد؛ منها ما يمكن تفكيكه بالإرادة الوطنية النزيهة، ومنها ما يغذّيه التداخل السياسي والقبلي، فيزيده تعقيدًا. والمؤسف أن مسارات التسيير، بدلًا من أن تتجه لصالح الشعب ومقدراته، غالبًا ما تتجه نحو تقاسم النفوذ وفق محاصصة حزبية أو قبلية، دون مراعاة للكفاءة والأمانة.


إن استمرار هذا النهج لا يُبقي اليمن في وضعه الحالي فحسب، بل ينذر بمآلات أكثر سوءًا، خاصة في ظل التدخلات الخارجية التي تمسك بمفاصل القرار السياسي والقبلي، مشكلةً بذلك دولة عميقة تتحكم في الداخل بما يخدم مصالح الخارج لا مصالح الوطن. هذه الدولة الخفية باتت ظاهرة للعيان، لا يغض الطرف عنها إلا من استفاد من هذا الوضع المريض.


وقد تسبب هذا في تدهور الأوضاع على جميع الأصعدة: الاجتماعية، والسياسية، والفكرية، والاقتصادية. ومع أن اليمن يمتلك ثروات هائلة قادرة على إحداث نهضة شاملة، إلا أن غياب الأيادي الأمينة المخلصة أعاق استثمار هذه الثروات. فليست المشكلة في فقر الموارد، ولا في نقص العقول، بل في طمع القوى الخارجية التي جنّدت بعض اليمنيين، ومنحتهم أدوارًا أكبر من حجمهم، مستغلين حالة عدم الاستقرار، مضخّمين أحلامهم مرتدين ثوبًا أكبر من واقعهم ، حتى أصبحوا أدوات في مشروع استنزاف الوطن.


لقد اعتاد بعض هؤلاء على المال الحرام، وتكيفت حياتهم وحاشيتهم على ذلك، فأرتهنوا للخارج حتى غدا الفكاك صعبًا، بعد أن أحكمت شبكات النفوذ نسيجها المعقّد بتخطيط ممنهج، وتمويل مستمر، ودعاية مُضللة.


من هنا، فإن نهضة اليمن لن تكون ممكنة في ظل هذا المشهد السياسي المريض، ولا بوجود المرتزقة الذين يقتاتون من معاناة الشعب، ولا الإعلاميين الذين يعملون أبواق لأجندات الممولين، لا ناطقين باسم الوطن.


فاليمن لن يُبنى بالشعارات الرنانة، ولا بالتمثيل الشكلي لدولة مغلفة بعلم ونشيد، بل بمشروع وطني حقيقي، يُعيد الاعتبار للإنسان اليمني، ويضعه في قلب العملية التنموية.


وعليه، فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النخب الواعية: من مثقفين، وكُتاب، وإعلاميين، وكل صاحب ضمير وبصيرة. لا بد من تأسيس بيئة توعوية قادرة على خلق مجتمع ناقد بنّاء، لا ناقد متفرج أو متآمر. فالنقد الهادف البنّاء هو البوصلة التي ترشد إلى مواضع الخلل، وتضع اليد على الجرح، وتساهم في تطهيره ومعالجته.


تطلّعنا إلى دولة فاضلة، تكون نموذجًا يُدرّس في مناهج التنمية والتطوير، ليس أمنية مستحيلة، بل غاية مشروعة ممكنة التحقق، بإذن الله، إن توفرت الإرادة الصلبة، والعمل المخلص، والتكاتف الصادق.


فمن الشعب نهوض دولته، وبالشعب تُبنى الأوطان.


المستشار د عبدالناصر العمودي