آخر تحديث :الأحد-01 يونيو 2025-08:51ص

غياب الشرعية اليمنية عن مشهد زيارة ترامب: فشل دبلوماسي ظرفي أم إعلان إفلاس استراتيجي؟

الأحد - 18 مايو 2025 - الساعة 04:12 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب




الزيارة التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، ١٣ و ١٤ مايو الحاري، ولقاؤه اللافت بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، مثلت لحظة سياسية فارقة في الترتيبات الإقليمية الجارية، لكنها في الوقت ذاته سلّطت الضوء على غياب ملفت للشرعية اليمنية عن هذا المشهد، رغم تواجدها الجغرافي والسياسي في الرياض، ما يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الفشل الذي يعتري أداء مجلس القيادة الرئاسي في السياسة الخارجية: هل هو إخفاق عابر؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك ليعكس إفلاسًا استراتيجيًا مزمناً؟


أولاً: لقاء ترامب بالشرع.


ترامب، المعروف بميله للمقاربات الصريحة والصفقات المباشرة، لم يتردد في أن يلتقي الرئيس السوري الجديد، واللقاء جاء مصحوباً بإعلان تاريخي: رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. في لحظة واحدة، انتقل النظام السوري الجديد ، من مربع العزلة إلى بوابة التفاهمات الدولية، في إطار ما يبدو أنه إعادة صياغة أمريكية واقعية لمعادلة النفوذ في الشرق الأوسط.


الرسالة واضحة: واشنطن، بقيادة ترامب، مستعدة للتعامل مع أي نظام يثبت أنه قادر على الاستمرار وضبط الإيقاع، حتى وإن كان يصنف بالنظام الخطر، طالما أن ذلك يخدم توازنات القوى الكبرى في المنطقة.


ثانياً: غياب الملف اليمني... ما وراء الصمت الدبلوماسي


في المقابل، لم يُذكر اليمن في بيانات الزيارة، ولم يحضر الملف اليمني – في ظاهره – ضمن أولويات النقاشات، رغم الحدث الأمني الخطير في المياه الإقليمية الدولية .


والأسوأ من ذلك، أن الشرعية اليمنية لم تُظهر أي تحرك أو مبادرة لاقتناص هذه الفرصة السياسية النادرة.


إن غياب القيادة اليمنية في هذه اللحظة لا يمكن اعتباره تفصيلًا عابراً، بل هو مؤشر خطير على هشاشة الفاعلية الدبلوماسية لمجلس القيادة الرئاسي، في لحظة كان يفترض أن تُوظف لصالح قضية اليمن، خاصة مع إدارة أميركية لديها موقف تاريخي متشدد من الحوثيين.


ثالثاً: هل نحن أمام فشل ظرفي... أم إفلاس استراتيجي؟


لفهم طبيعة هذا الغياب، لا بد من التمييز بين نوعين من الإخفاق:


1. الفشل الظرفي:


قد يُعزى التجاهل الأميركي إلى الترتيبات الزمنية أو الأولويات الآنية للزيارة، أو إلى غلبة الملفات الكبرى كالنفط وإيران وسوريا على جدول الأعمال. وهذا احتمال قائم، لكنه لا يعفي القيادة اليمنية من مسؤولية المبادرة وتقديم نفسها كطرف محوري في أمن المنطقة، وخاصة مع أحداث البحر الاحمر وخليج عدن.


2. الإفلاس الاستراتيجي:


وهو الأرجح في هذا السياق، حيث يتضح أن الشرعية لم تعد تُرى دولياً، كفاعل مستقل، بل كامتداد لملف قليمي تُدار شؤونه عن بُعد. فلا توجد استراتيجية دبلوماسية نشطة، ولا خطاب سياسي موحد، ولا حتى أدوات ضغط خارجية فاعلة. إننا أمام حالة من الفراغ الاستراتيجي الشامل في إدارة العلاقات الدولية، بما يجعل اليمن خارج مراكز القرار، حتى حين يكون على بُعد أمتار منها.


رابعا: تداعيات الغياب.


التجاهل الذي أبدته واشنطن تجاه الشرعية اليمنية، في لحظة إعادة تشكيل قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، يحمل تداعيات بالغة:


إضعاف الموقف التفاوضي للشرعية في أي ترتيبات سياسية مستقبلية.


إحراج إقليمي أمام الأطراف التي ترى في القيادة اليمنية شريكاً غير قادر على التحرك الذاتي.


تعزيز سردية الحوثيين بأن الشرعية باتت منزوعة القرار والفاعلية.



والأخطر أن هذا الغياب، إذا لم يُعالَج، قد يتحول إلى نمط دائم، يُقصي اليمن من طاولات التفاهمات الكبرى، ويُبقيها حبيسة صراع لا يعترف به العالم كأولوية.


واخيراً:


في عالم السياسة، لا وجود لمن لا يُظهر قدرته على الحضور. وترامب، الذي لا يجامل ولا يهادن، وجّه برسالته الضمنية ما يكفي من الإنذار: من لا يحضر بفعالية في المعادلات الدولية، سيُستبعد منها دون اكتراث.


وعليه، فإن أمام مجلس القيادة الرئاسي خياراً واحداً لا غير: إما أن يُعيد بناء أدواته الدبلوماسية ويستعيد زمام المبادرة، أو أن يقبل بتحوّله إلى كيان شكلي تُدار قضاياه من الخارج، ويُتناسى اسمه في لحظات الحسم الإقليمي والدولي.

---

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الاربعاء ١٤ مايو ٢٠٢٥م