في غزة، لم يعد الصباح يحمل نسيم الأمل، ولا المساء يطوي أجنحة السكينة. بل أصبحنا نمسي على خبر مجزرة، ونصبح على أخرى. دورة دموية لا تتوقف، تطحن الأجساد والأرواح في رحى حرب لا تعرف الرحمة، ولا تميز بين طفل وشيخ، بين امرأة ورجل. تحولت غزة، في وصفٍ صادم لجراح بريطاني، إلى "مسلخ بشري". ليست مجرد ساحة حرب، بل مكانٌ لذبح البشر، تُسفك فيه الدماء على قارعة الطريق، وتُنتزع فيه الأرواح ببرود، وتُهشم فيه كرامة الإنسان تحت أنقاض البيوت المنهارة.
يحدث هذا كله على مرأى ومسمع من بقية البشرية. شاشات العالم تنقل الصور، ووسائل التواصل تضج بالشهادات، والضمائر تتألم للحظات، ثم يعود الصمت ليطبق على مسرح الجريمة. صمتٌ ثقيل، يوازي صوت القنابل، ويمنح الجلاد صكاً ضمنياً لمواصلة الذبح. لا أحد يملك أو يريد أن يملك القدرة على ردع إسرائيل، أو ردها عن ارتكاب المزيد من المذابح. بل إن الدعم يتوالى، وتحديداً من قوى كبرى، كما يُشار إلى دعم الرئيس ترامب بكل قوة، وكأن هذا الدعم وقودٌ يُصب على نار الإبادة، وغطاءٌ سياسي يُشرعن القتل والتدمير في وضح النهار.
يا إلهي.. في هذا المشهد المروع، يتضاءل معنى الإنسانية، وتُهان قيمة الحياة. كيف يمكن للبشرية أن تنام قريرة العين، بينما تُذبح عائلات بأكملها، ويُدفن الأطفال تحت الركام، ويُحرم الأحياء من أبسط مقومات البقاء؟ هل ماتت الضمائر؟ هل تجمدت المشاعر؟ هل أصبحنا مجرد متفرجين في مسلخ العصر؟
في خضم هذا العجز البشري، وهذا الصمت العالمي، لا يبقى للمظلومين في غزة إلا باب السماء. تتردد في الأرجاء صرخةٌ تائهة، لا تجد لها مجيباً على الأرض: "يا إلهي.. من للمظلومين في غزة سواك؟ اللهم أغثهم". إنها مناجاة من أعماق الألم، إقرار بأن القوة المطلقة هي وحدها القادرة على رفع الظلم وإنهاء هذه المأساة التي فاقت كل تصور.
غزة اليوم ليست مجرد بقعة جغرافية، بل هي رمزٌ لمعاناة إنسانية كبرى، واختبارٌ لضمير العالم. سيبقى رمادها ودماؤها وصراخ أطفالها شاهداً على زمنٍ ادعت فيه البشرية الحضارة، بينما كانت تشهد على ذبحٍ جماعي في مسلخ العصر الحديث. ويبقى الأمل معلقاً بمن لا يغفل ولا ينام، علّه يرفع عنهم هذا البلاء، ويعيد للحياة في غزة نبضها المسلوب.
علوي سلمان