عاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في خطابه اليوم ليكرر عبارة طالما سمعها الجنوبيون في محطات سياسية مفصلية، من رعاية اتفاق الرياض، إلى تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة المناصفة: "إن قضية الجنوب تمثل جوهر أي تسوية سياسية عادلة."
عبارة أُشبعت تردادًا من قبل مختلف الأطراف، بما في ذلك قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، والسفير السعودي، وغيرهم. لكن عند التأمل الدقيق في مضمونها، بعيدًا عن الحماس والعاطفة، يتضح أنها لا تحمل أي التزام واضح أو صريح بحق الجنوبيين في فك الارتباط أو استعادة دولتهم، كما هو مفوض للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي.
وبواقعية سياسية وتجرد من الشعارات، ينبغي على الجنوبيين الاعتراف بأن هذه العبارة الفضفاضة، رغم تكرارها، لم تُترجم على الأرض إلى خطوات تضمن استعادة الدولة الجنوبية. فالتاريخ السياسي اليمني، وتجارب العقود الماضية، تؤكد أن الحقوق لا تُمنح بل تُنتزع، وأن انتظار العليمي، أو النخب السياسية المتشبثة بمركزية صنعاء، لتقديم "الحق الجنوبي" على طبق من ذهب، ما هو إلا ملاحقة سراب.
السياسة، كما يعلم الجميع، تُبنى على فرض الوقائع لا على حسن النوايا. ومن هذا المنطلق، فإن استمرار التعويل على تصريحات دبلوماسية لا تتجاوز حدود المجاملة السياسية، لن يُفضي إلا إلى المزيد من خيبات الأمل.
إن لم يفرض الجنوبيون أمرهم الواقع، ويبتعدوا عن الارتهان للخارج — سواء كان إماراتيًا أو سعوديًا — فإن المصير سيكون العودة إلى باب اليمن، لا بوصفهم شركاء، بل كمنكسرين. ومن يطأطئ رأسه اليوم، لن يجد من يتذكره غدًا، لا في كتب التاريخ، ولا في ذاكرة الشعب.