لاشك أن الوحدة حتى بداية التسعينات من القرن الماضي كانت حلما يراود كل اليمنين على مجمل المساحة الجغرافية للدولتين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سعت القيادات المتعاقبة كلا بطريقته لنيل شرف تحقيق الحلم وكلا من توجهاته ونهجه وسياسته ولعل مرحلة السبعينات في ظل رئاسة سالم ربيع علي لجمهورية اليمن الديمقراطي والحمدي شهدت أوج المبادرات السياسية الوحدوية التي وصل فيها التقارب إلى أعلى مراحله في ظل سيادة ورعاية القائدين الحمدي وسالمين برؤى انفتاحية نحو وحدة تلبي حاجات البلدين في ظل الإستفادة من ايجابيات النظامين الشمالي والجنوبي وقد حظي هذا السعي بترحيب الأشقاء في الكويت ومصر وسوريا وليبيا ومباركة كثير من الزعامات والقيادات في انحاء من الوطن العربي والعالم مع تحفظ البعض وسعي أخرين لاحباط المساعي الوحدوية بين شطري اليمن لعدم استساغتها قيام مشروع وحدوي شعرت بعض الأنظمة بإن مثل هذا المشروع يعد قيامه تهديد ونجاحه هزيمة لمشاريعها الضيقة وإغلاق لشهيتها في التوسع وتحقيق مكاسب تخدم مصالحها على حساب تحقيق حلم اليمنيين.
وربما بعض القوى تنبأت بفشله وعدم جدوته نظرا لفشل مشاريع الوحدة التي قامت في الأقليم العربي كمشروع الوحدة بين مصر وسوريا ومشاريع لم يكتب لها حتى الولادة كمشاريع الوحدة التي تبنتها العراق والاردن وليبيا فكانت الرؤى الإنهزامية هي التي تسيدت المواقف وحجبت الرؤيا لتحقيق أي مشروع اتحادي بل والوقوف في طريقة فكانت الإغتيالات والمؤامرات فقتل الحمدي واتهم بتدبير اغتياله سالمين وتخلص من الزعيمين في عام واحد وجهض مشروعهما الإتحادي لكن الحلم لم يتوقف بل ظل مشروع قائم على أرض اليمن شمالا وجنوبا رغم العوائق والعراقيل وخططات المغرضين والإنفصالين داخل الأرض الثواقة للإتحاد وفي الإقليم .
رغم تعارض الرؤى واختلاف الأهداف وتباعد المصالح وتنازع النوايا وتناثر التبعيات إلا أن الوحدة كانت حلما يراود النفوس ويدغدغ المشاعر للوطنيين داخل وخارج الأرض عاشقة الإتحاد.
وتسارعت الأحداث حتى كانت نكبة الجنوب في الثالث عشر من يناير وفي ظل غياب القيادات الفاعلة عن الأرض قيادات غيبها الأغتيال وأخرى غيبها الفرار وتسلم القيادة من قبل الصف الثاني في الحزب الإستراكي التي لم تكن على القدر الكافي من الحنكة والقدرة تسارعت أحداث الإرتباط غير المدروس لتحقيق وحدة غير واضحة المعالم بتوقيع البيض وعلي عبدالله التي كان التخطيط لمراحلها لاحقا للتوقيع وتزايدت التناقضات والإختلافات وبلغ سيل النزاع أوجه حتى انعزل الراعيان للوحدة واتخذت الأمور منحى نحو الإنفجار فكانت الحرب في صيف مايو بعد إعلان فك الإرتباط من قبل علي سالم البيض واكتملت النكسة بهزيمة الجيش الجنوبي الذي تعرض للتمزيق والتفريق إما باغتيال قيادته أو شراء بعضها وتحولت الوحدة من مشروع للإتحاد وحلم يراود النفوس إلى إحتلال وسبطرة وكابوس ارق أحلام الجنوبيين.
ومن هنا اغتيل حلم الوحدة ووئد في النفوس قبل أن يولد كما كان يخطط له.
فهذه الأرض عاشقة الوحدة يمزقها الحرب والإقتتال وبات تحقيق الحلم عليها بعيد المنال وهي تصارع التسلط لجماعات غرست ولاء الخارج في ضمائرها محل الولاء للوطن وبات الصراع هو الشعاع الذي ينذر بالسوء والفشل في ظل خضوع الأرض لتسلط وهيمنة الأقليم والخارج وسقوط أحلام اليمنيين أدراج الرياح لا وحدة ولا حرية.
عصام مريسي