تُعد ظاهرة استخدام الميليشيات الحوثية للأحياء السكنية والمنشآت المدنية كمخازن للأسلحة والقذائف من أخطر الانتهاكات ، التي تهدد أمن وسلامة المدنيين في اليمن ، وتمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ، وتستند هذه الاستراتيجية الحوثية إلى أهداف عسكرية وسياسية وإعلامية متشابكة ، تسعى من خلالها الميليشيات إلى تعزيز وجودها ومناورة خصومها على حساب حياة المدنيين واستقرار المجتمع .
تلجأ الميليشيات الحوثية إلى تخزين الأسلحة في أوساط المدنيين بهدف استخدامهم كدروع بشرية ، مما يصعّب على خصومها شن عمليات عسكرية دقيقة خوفًا من سقوط الضحايا المدنيين ، وبهذا الأسلوب تحقق الميليشيات هامشًا أكبر من المناورة والتخفي ، وتدير معاركها من بين السكان ، مستفيدة من الطبيعة المدنية للمواقع التي تتحصن فيها لعرقلة أي استهداف مباشر .
من خلال هذه الممارسات تسعى الميليشيات الحوثية إلى تسويق سردية إعلامية ، تزعم المظلومية وتتهم خصومها بأنهم يستهدفون المدنيين عمدًا فحين يسقط الضحايا في صفوف المدنيين نتيجة تمركز الحوثيين في الأحياء السكنية أو المنشآت الحيوية ، تستغل الميليشيات هذه المشاهد ؛ لتشن حملات إعلامية تتهم الطرف الآخر بانتهاك حقوق الإنسان ، متنصلة في الوقت ذاته من مسؤوليتها المباشرة في تعريض السكان للخطر .
تمثل هذه الاستراتيجية أيضًا وسيلة للابتزاز السياسي ، إذ تسعى الميليشيات لتوظيف صور الضحايا كأوراق ضغط في المحافل الدولية ، متهمة خصومها بتعمد قصف المنشآت المدنية ، وهو ما تستخدمه ؛ لتبرير استمرار القتال ، وحشد مزيد من المقاتلين في صفوفها بدعوى الانتقام للضحايا والدفاع عن الشعب اليمني .
يتعدى هدف المليشيات الحوثية من عسكرة الأحياء المدنية البُعد العسكري إلى السيطرة المجتمعية ؛ إذ يسهم وجود السلاح في الأحياء السكنية في بث الرعب والقلق بين السكان ، وهو ما يضمن إخضاع المجتمع ، وكبح أي محاولات مقاومة أو احتجاج ضدها .
من خلال تمركزها في المدارس والمستشفيات والمرافق الخدمية ، تجرّ الميليشيات الحوثية تلك المنشآت إلى الاستهداف العسكري ، ما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية الحيوية ، وخروجها من الخدمة ، وما يترتب على ذلك من شلل للخدمات الأساسية للمواطنين . وفي الوقت نفسه تتهم خصومها بالمسؤولية عن تدمير تلك المنشآت ، ضمن حملتها المستمرة لتشويههم أمام الرأي العام المحلي والدولي .
تندرج هذه الممارسات ضمن الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني ، الذي يحظر استخدام المدنيين والمنشآت المدنية لأغراض عسكرية ، غير أن الميليشيات الحوثية تستمر في هذه الاستراتيجية ، مدفوعة بمكاسب إعلامية وسياسية تراها ضرورية لإطالة أمد الصراع ، وترسيخ سلطتها ، غير مكترثة بالآضرار والمخاطر التي تطال المدنيين ، الذين يدفعون الثمن الأكبر للصراع .
عبدالواسع الفاتكي