أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى قطر تساؤلات عديدة حول حقيقة موقف الدوحة من طهران، في سياق إقليمي معقد يتسم بتقلب التحالفات وتعدد الأجندات. ففي معرض حديثه عن الأزمة الإيرانية، قال ترامب بصراحة لافتة: "على إيران أن تشكر قطر شكراً عظيماً، فهناك من يرغب في توجيه ضربة قاسية لها، بخلاف الدوحة، التي تُعد محظوظة بوجود أمير يسعى جاهداً لمنع ذلك."
هذا التصريح، الذي لم يلقَ أي رد رسمي من السلطات القطرية، لم يكن مجرد انطباع عابر لرئيس أمريكي مثير للجدل، بل تضمن إشارات صريحة إلى وجود تمايز قطري في التعامل مع الملف الإيراني، وربما تنسيق خفي لا تعلنه الدوحة صراحةً، لكنه ينعكس في مواقفها الإقليمية.
الدوحة وطهران: علاقة تتجاوز البراغماتية
تاريخ العلاقة بين قطر وإيران لا يُختزل في ملفات آنية أو تقاطعات ظرفية، بل يمتد إلى عقود من التعاون الاقتصادي والسياسي، تعززه شراكة في أكبر حقل غاز مشترك في العالم (حقل الشمال/بارس الجنوبي)، وهو ما يُفسر تمسّك الدوحة بعدم الصدام مع طهران، مهما بلغت الضغوط الخليجية أو الدولية.
غير أن التصريح الأخير لترامب أخرج هذا التفاهم غير المعلن إلى العلن، مسلطاً الضوء على ما يعتبره مراقبون "تناغماً استراتيجياً" بين البلدين، يُترجم في ملفات حساسة مثل دعم جماعة الحوثي في اليمن، التي تُعد أحد أذرع إيران العسكرية في المنطقة. إذ تُتهم كل من قطر وإيران بتقديم دعم متعدد الأوجه للحوثيين، يشمل تسهيلات لوجستية وتقنية، فضلاً عن أدوار سياسية خلف الكواليس.
من طهران إلى صنعاء: تشابك الأجندات الإقليمية
يشير محللون إلى أن قطر، رغم توقيعها على اتفاق "العلا" وعودة علاقاتها الرسمية مع السعودية، ما زالت تُمارس سياسة خارجية مستقلة إلى حد بعيد، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، وكذلك مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يجعل الدوحة في موقع متفرد داخل المنظومة الخليجية.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن دعم قطر للإخوان يتجاوز مجرد التحيز العقائدي، ليأخذ طابعاً سياسياً موجهاً ضد خصومها الإقليميين، خاصة الإمارات ومصر. كما أن هذا الموقف يعزز من تقاربها مع أنقرة وطهران، باعتبار أن الدول الثلاث تتقاطع في ملفات استراتيجية تمتد من ليبيا إلى اليمن، ومن سوريا إلى القرن الإفريقي.
المصالحة الخليجية: تسوية شكلية أم تهدئة مؤقتة؟
لم تُلغِ المصالحة الخليجية التباينات الجذرية بين قطر وجيرانها، بل قامت – وفق وصف بعض المحللين – بـ"تجميد الخلافات" دون حلها. وهذا ما بدا جلياً خلال زيارة ترامب لكل من الرياض وأبوظبي والدوحة، حيث برز التفاوت في المواقف بشكل لافت، خاصة حيال التهديد الإيراني ودور الجماعات الإسلامية السياسية.
ففي حين تبدي السعودية والإمارات موقفاً أكثر حدة تجاه طهران، تسعى قطر إلى تبني دور الوسيط، مستفيدة من علاقاتها المفتوحة مع مختلف الأطراف، وهو ما يتيح لها هامشاً واسعاً للحركة، لكنّه في المقابل يضعها في مواجهة مع بعض العواصم الخليجية التي تنظر بعين الشك إلى هذه الاستراتيجية.
ختاماً: قطر بين الضرورات الاقتصادية والطموحات السياسية
إن تصريحات ترامب، وإن جاءت خارج السياق الدبلوماسي المألوف، إلا أنها كشفت عن دينامية سياسية تعمل تحت السطح، تحكم علاقة قطر مع إيران ومع باقي الأطراف الإقليمية. وهي دينامية تعكس براغماتية سياسية تسعى من خلالها الدوحة إلى تحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية وأدوارها السياسية المتنامية، حتى وإن تطلب الأمر التمايز عن الموقف الخليجي العام.