آخر تحديث :الأحد-01 يونيو 2025-12:57ص

تعز مدينة أنهكها الفساد وغيبها الإهمال .

السبت - 24 مايو 2025 - الساعة 10:53 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب


لا تحتاج في تعز لجهد كبير ؛ لتدرك حجم الكارثة ، او حجم الفساد ، لا تحتاج لوثائق أو تقارير رسمية ؛ يكفي أن تنظر إلى حياة المسؤولين فيها ، قصورهم ، سياراتهم الفارهة، موائدهم العامرة ، ثم تُدير رأسك قليلًا ؛ لترى طفلًا يحمل دلوًا فارغًا بانتظار قطرة ماء ، أو طفلًا يُذاكر على ضوء شمعة ، إن لم تنطفئ قبل أن ينتهي من كتابة اسمه .


تكفيك في تعز جولة قصيرة بين أزقتها الغارقة في القمامة ، وأنفاس سكانها المختنقة برائحة المجاري المفتوحة ، يكفي أن تزور حيًا في تعز ؛ لتدرك أن الكهرباء زائر غريب ، والماء حلم مؤجل ، والخبز أمنية تقتسمها الأسرة بصمت .


الناس في تعز لا يملكون شيئًا إلا وجعهم. ، يتحدثون بهمسة خوف ، ونبرة اختناق عن سلطة محلية بارعة في الخطابات ، عمياء عن المأساة ، صمّاء عن الاستغاثات. يطرحون السؤال ذاته كل يوم : لماذا تتكرّر الوجوه نفسها رغم فشلها؟ من يعيد للناس ماءهم وكرامتهم ونور بيوتهم؟


الفساد في تعز ليس تهمة إنه واقع معيش ملموس في كل شارع مهمل ، في كل مستشفى بلا دواء ، في كل مرفق خدمي ، لا يقم بواجبه ، السلطة لا تُرى إلا في المؤتمرات ، في الصور ، في البيانات التي لا تُشبع جائعًا ، ولا تُطفئ ظمأ.


بجوار امرأةٍ تحمل دلوا فارغا تنتظر صهريج ماء ، ربما لن يأتي ، تمر سيارة مسؤول فارهة ، تثير غبارًا كثيفًا، وتترك خلفها صمتًا مدويا ، تمامًا كحال مدينة صاخبة بالقهر .


تعز لا تموت فقط برصاص وحصار المليشيات الحوثية ، بل تموت من جفاف الضمير. من أولئك الذين يتحدثون باسمها ، ويدفنون أحلام أبنائها تحت بلاط مكاتبهم المكيّفة .


كفى عبثًا ، كفى دفنًا لحياةٍ ، ما زالت تنبض في صدور المقهورين ، تحتاج تعز إلى من ينظر لها بعيون المسؤولية ، لا بعيون السياسة ، تحتاج إلى من يغضب لكرامة مدينة ، تحولت لسجن لأحلام البسطاء ، تحتاج إلى من يرى أبناء تعز بشرا لا أرقاما .


عبدالواسع الفاتكي