عبدالقادر باراس
استمعت باهتمام لحلقة بودكاست "بلكونة" التي استضاف فيها الزميل محمد عارف الصلوي الزميل فتحي بن لزرق، حيث طرح الزميل الصلوي سؤاله: "يا فتحي أنت بدأت كحراكي متعصب ومتطرف لكنك أصبحت مدافعا شرسا عن الوحدة".. هذا التحول الكبير جعل كثيرا من الناس يتساءل: لماذا غير فتحي موقفه؟ هل ينظر إليه البعض بـ"فتحي المتقلب"؟.. وقد أجاب الزميل فتحي "هذا هو السؤال الذي انتظرت طويلاً أن تتاح لي فرصة الإجابة عليه".
ومن منطلق الزمالة أود أن أسجل هنا جملة ملاحظاتي على ما ورد في حديثه:
أولا: أشار الزميل فتحي إلى أن قناعته تغيرت بـ "فعل الانتهاكات التي ارتكبتها بعض أطراف الحراك، وهي التي رفعت شعارات الحرية والعدالة والمساواة" لكنه عمم النقد على المشروع برمّته. وهنا أرى أن التعميم في الحكم ليس منصفا، وبحسب قوله "ليس كل من نادى بالنزاهة تحول إلى فاسد ولا كل من طالب بالعدالة أصبح ظالما" بين هؤلاء كثير من الشرفاء الذين لا يزالون قابضين على جمر القضية الجنوبية بإخلاص.
ثانيا: قال الزميل فتحي إن مشروع الساحات تحوّل إلى مأساة عندما اقترب من السلطة. وهنا لا بد من التوضيح أن زمام الأمور لم يكن يوما بيد الجنوبيين بالكامل حتى مع وجود المجلس الانتقالي في المشهد. فالأزمات مركبة ومعقدة وتحتاج إلى تضافر الجهود داخليا وخارجيا، لا سيما من قِبل الرباعية الدولية، وأهم من ذلك وجود أشخاص نزيهين يعملون على محاربة الفساد وهو أمر لا يزال من التحديات الصعبة.
ثالثا: بيّن الزميل فتحي بأنه تعرض لحملات تخوين، وهو أمر مؤسف لكنه وارد في الفضاء المفتوح على منصات صفحات التواصل الاجتماعي، ومن الطبيعي أن يواجه من يكتب ويعلّق انتقادات. لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن منشوراته تتسم أحيانا بالاستفزاز والمبالغة والمغالطات خصوصا في تكرار ترويجه لفكرة أن الجنوبيين غيروا مزاجهم تجاه فك الارتباط، وهو أمر غايته التظليل.
رابعا: يرى الزميل فتحي أن القضية لم تعد شمالية أو جنوبية بل يمنية شاملة، وهذا طرح مشروع، لكن تحميل الأطراف الجنوبية وحدها مسؤولية الأوضاع الإنسانية لا يستقيم مع الواقع. فالمعاناة عامة تطال اليمنيين في الشمال والجنوب على حد سواء كما أن حق تقرير المصير بالنسبة للجنوبيين سيبقى جوهر القضية التي نؤمن بها.
خامسا: حديثه عن أن مشروع الجنوبيين في فك الارتباط يشكل خطرا على الجنوب بسبب الانقسامات المناطقية أراه توصيفا قاسيا وغير منصف. فكل ما نعيشه من انفلات وفوضى هو نتيجة طبيعية لغياب الدولة والمؤسسات وليس لصميم المشروع الجنوبي في حد ذاته. وهذا الواقع مهما كان قاسيا لا يدفعنا للتخلي عن قضيتنا لأن القضية ليست رأيا عابرا أو موقفًا قابلًا للتبديل ومتاجرته.
سادسا: أشار الزميل فتحي بحسب قوله بأنه مر بتحول "فكري وثقافي واجتماعي وتاريخي" في موقفه من قضية الانفصال. مع احترامنا لتحولاته الشخصية لكن نقول له إن من يؤمن بعدالة قضية شعبه لا يغيّر مبادئه بتغير الظروف الشخصية. فأي قضية عادلة ومنصفة لا تخضع لحسابات التكيّف بل تحمل كقناعة راسخة.
وأخيرا: أؤكد أن خلافنا مع الزميل فتحي ليس عداوة بل اختلاف في المبادئ، فأخي فتحي زميل وصديق نكن له الاحترام وتجمعنا معه علاقات أخوية ومهنية لم تنقطع إلى يومنا هذا، ونقدنا له لا يخرجه عن مساحة الزمالة والاحترام.. واختلافنا معه نابع من إيماننا بعدالة قضيتنا الجنوبية فهو إيمان فكري وإنساني وعقائدي. وكما أن وجود طغاة وقتلة بين المسلمين لا يعني أننا سنتخلى عن ديننا أو نتحول إلى النصرانية أو اليهودية أو الهندوسية أو حتى الإلحاد، فكذلك فإن وجود المتسلقين واللصوص والعنصريين والفاسدين وحاملي المباخر في صفوف من يتصدرون مشهد القضية الجنوبية سواءً في المجلس الانتقالي أو غيره من مكونات الحراك لا يعني أننا سنتخلى عن قضيتنا العادلة أو نعود إلى مشاريع باب اليمن التي أثبت التاريخ فشلها وفسادها وحقدها على الجنوب.
يدرك اخينا وزميلنا فتحي جود بعض الانتهازيين والفاسدين في صفوف من يحملون راية الجنوب لا يعني أن القضية باطلة أو أنها فقدت مشروعيتها وسنظل ننتقد من يستغل قضيتنا لمآربه تحت أي مظلة كانت، لكننا في الوقت ذاته نتمسك بالمجلس الانتقالي رغم كل ما نوجه له من نقد لأنه حاليا يمثل العكاز الذي يستند عليه مشروعنا الجنوبي في ظل غياب البدائل واشتداد التعقيدات.
هذا هو موقفنا يا اخي ويا زميلي فتحي وربما نكون مصيبين أو مخطئين لكننا نظل نتمسك بعدالة قضيتنا ما دمنا نؤمن بها ونرى أنها لا تزال تستحق أن نكتب ونناضل ونختلف من أجلها.