آخر تحديث :الإثنين-07 يوليو 2025-01:38ص

تحالفات هشة ونفوذ متجذر .. قراءة في أزمة السلطة الحزبية في تعز

الأحد - 25 مايو 2025 - الساعة 09:34 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب



منذ عام ٢٠١٥م شهدت محافظة تعز تحولات عميقة ، تداخلت فيها عوامل داخلية وخارجية بالمصالح الحزبية والفئوية ؛ ما انعكس ذلك بشكل مباشر على تماسك أجهزة الدولة ومؤسساتها ، لقد كان للأحزاب السياسية في تعز ومراكز القوى المتخلقة دورٌ محوري في تشكيل الواقع المزري ، الذي تشهده تعز في الوقت الراهن ؛ حيث ساهمت بدرجات متفاوتة في تعقيد المشهد ، وتعطيل فرص الاستقرار ، من خلال ممارسات تراوحت بين التنافس المحموم على النفوذ، والتورط في الفساد .


لعبت الأحزاب السياسية في تعز ، ومراكز القوى النافذة دورًا كبيرًا في تسييس الشأن العام ؛ ما أسفر عن تفكك الجهود الرامية لمواجهة التهديدات المشتركة ، وجعل من الصعب تأسيس بنية إدارية متماسكة، ما حوّل المؤسسات العامة إلى أدوات صراع بدلًا من كونها أدوات ضبط واستقرار .


برزت ظاهرة المحاصصة الحزبية في تعز ؛ حيث وزعت المناصب وفقًا للانتماء السياسي ، لا وفقًا لمعيار الكفاءة أو النزاهة ، ما ادى إلى تهميش الكفاءات الإدارية والمهنية ، وخلق بيئة خصبة للفساد والمحسوبية ؛ كثير من المؤسسات العامة تحولت إلى منصات تخدم مصالح الجهة المسيطرة عليها ، او الحزب المحسوبة عليه ، بدلًا من تلبية حاجات المواطنين ، مما فاقم من معاناة السكان ، وأضعف ثقة المجتمع في السلطة المحلية والأحزاب المكونة منها .


أنتجت التحالفات الهشة بين الأحزاب في تعز نوعًا من الرقابة السلبية ؛ حيث يتم غضّ الطرف عن الفساد داخل المؤسسات مقابل الحفاظ على توازنات سياسية هشة ، التقارير المحلية وثّقت حالات فساد في قطاعات مختلفة ؛ جرى التستر عليها ، إما بدافع الحفاظ على الشراكة السياسية ، أو الخشية من فتح جبهات خلاف جديدة بين الحلفاء ، هذا المناخ من الإفلات من العقاب عمّق حالة الانهيار المؤسساتي ، وأسهم في استمرار الفساد ، وتعطيل أي مساع لتطبيع الحياة العامة .


نتيجة لهذه الدينامكيات الحزبية والفئوية ؛ اصبحت السلطة المحلية في تعز غير قادرة على تنفيذ إصلاحات حقيقية ؛ نتيجة غياب المرجعية الموحدة ، وتعدد مراكز القرار ، فأضحت السلطة المحلية مجرد واجهة تتحكم وتتلاعب بها الأحزاب ومراكز النفوذ ، وفقا لمصالحها وتوازناتها المتغيرة .


لم تكتفِ الأحزاب ومراكز النفوذ في تعز بتقويض مؤسسات الدولة من الداخل ، بل تلجأ إلى آليات دقيقة لاحتواء وتوظيف أي حراك شعبي جماهيري ، يطالب بالخدمات وتثبيت الأمن والاستقرار ، وتحسين الوضع المعيشي بما يخدم مصالحها ، ورغم رفعها شعارات التغيير ومناهضة الفساد ، إلا أن ممارساتها على الأرض ، تدل على استثمارها الاحتجاجات لتحقيق مكاسب سياسية سلطوية ظرفية ، لا تلبية لمطالب الشارع .


عندما تنطلق أي احتجاجات شعبية ضد الفساد أو تدهور الخدمات ، تبادر الأحزاب ومراكز النفوذ المتقاسمة السلطة في تعز إلى اختراق الحراك ؛ بدفع شخصيات محسوبة عليها لتتصدر المشهد ، تتبنى هذه الشخصيات خطابًا ، يُموّه مطالب المحتجين بشعارات عامة ، وتعمل على تحريك الحراك إلى ورقة ضغط سياسية ، تخدم أجندتها الخاصة ضد خصومها ، بدلا من الضغط من أجل تغييرات إيجابية لصالح المواطن .


تقوم الأحزاب ومراكز النفوذ بتصدير شخصيات محسوبة عليها ، تتزعم الحراك الشعبي كممثلين مستقلين ، تدعمها للظهور في منابر الإعلام ، كصوت للشعب ، لكنها غالبا تعمل ضمن شبكات حزبية موجهة ، وتمثل الأدوات الناعمة داخل تلك الشبكات ، لا تألو جهدا في منع خروج الحراك عن السياق المرسوم له .


بعد خلق زخم إعلامي وشعبي حول شخصيات معينة ، تُسارع الأحزاب إلى الدفع بهم نحو مواقع القرار ، كحلول توافقية ، بدعوى أنهم مرشحون مستقلون ؛ وبهذا تُعيد الأحزاب تدوير نفوذها داخل السلطة ، مستخدمة وجوهًا جديدة ؛ مما يكرّس منظومة المحاصصة ، ويحول دون أي تغيير جذري في البنية الإدارية للسلطة المحلية في تعز .


للأسف الشديد لم ترتق الأحزاب السياسية في تعز إلى مستوى اللحظة التاريخية ، التي تمر بها تعز واليمن عموما ، بل تعاملت مع الوضع كفرصة لتكريس نفوذها ، لا كمرحلة لبناء مؤسسات دولة فاعلة ، ورغم دورها الوطني المحوري والمشهود في مقاومة الانقلاب الحوثي ، إلا أن سلوكها في إدارة المؤسسات العامة والمرافق الخدمية ، وموقفها من قضايا المواطنين المعيشية كان سبيا في الاحتقان الشعبي والغضب الجماهيري ضدها ، كما أن ركوبها موجات الحراك الشعبي ، واستثمارها في إعادة التمركز ، خلق قناعة لدى شريحة واسعة من المواطنين أن هدفها لم يكن التغيير من أجل مصالح المواطن ، بل تثبيت مواقعها في السلطة ، ولو على حساب معاناة الناس .


لقد آن الأوان لإعادة التفكير في الدور الحزبي داخل تعز ، وتأسيس نموذج جديد من العمل السياسي ، يقوم على الشفافية والمحاسبة ، وينطلق من حاجات المواطنين لا من حسابات النفوذ ؛ فاستمرار هذا النموذج القائم على التحاصص والولاءات الضيقة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار .


عبدالواسع الفاتكي