في مدينة تعز التي أنهكتها الحرب وتآكلت فيها الأحلام ، وفي وقت وجيز ، جاءت ثلاث طعنات جديدة ؛ لتغرس أنيابها في خاصرة الحياة فيها : رغبف أصبح حلما ، وأجرة مواصلات تسحق عظام المعدمين ، وما أكثرهم ! ، وعطش يلف أرجاء المدينة ، إنه الإصرار على تعذيب المدينة وعقابها ، وإذلال المواطن فيها ، جرعة بعد أخرى تنشر الموت البطيء .
كان الرغيف آخر ما تبقى من قوت الفقراء ، الذين تكتظ بهم مدينة تعز ، ويزدادون كل يوم ، بفعل انهيار العملة وغياب الخدمات ، كان الخبز يسدّ جوع البطون ، ويملأ الفراغ بين وجبة ووجبة ، أما الآن فقد صار الرغيف أصغر حجمًا ، وأغلى ثمنًا ، يقف الأب أو الأم في المخبز ، لا يسألان عن الطعم أو الجودة ، السؤال : بكم يمكنني أن أشتري بهذا المبلغ؟!
توشك الحركة في مدينة تعز ان تتوقف ، ارتفعت أجرة المواصلات ، موظف بات راتبه الضئيل لا يستطيع أن يوصله إلى عمله ، طلاب كثر سيتركون مدارسهم وجامعاتهم ، مرضى سيكونون حبيسي منازلهم ليس بمقدورهم زيارة المرافق الصحية ، مسؤولو السلطة المحلية في تعز والحكومة وقيادة المجلس الرئاسي لسان حالهم كأنه يقول : للمواطن في تعز وبقية المحافظات : إن لم تكن غنيًا ، فلا تستحق الحياة !
الماء الذي يُفترض أن يكون حقًا لا يُمسّ ، يُباع اليوم في تعز بوزن الدمع ، تمر صهاريج الماء ، لكنها لا تتوقف عند ابواب الفقراء ، ثمنها أصبح حكاية أخرى من حكايات العجز ، نساء يملأن القوارير من صنابير بعيدة ، وأطفال يجرّون الجالونات ، يتحسسون هل هنا او هناك ماء ، أضحى الماء في تعز لندرته مثل الدواء ، يُشرب بقدر ، وتغسل الأجساد بحذر .
لا صوت يعلو على صوت الغلاء ، الناس وحدهم في هذه المدينة يذوبون شيئًا فشيئًا ، وما زال القادم مجهولًا ، يخشى الناس ان يكن أكثر ظلمة وأشد قسوة ، تعز تقتل بالفساد والخذلان والفشل تصادر الحياة الكريمة لأبنائها ، ويتحول العيش فيها إلى جريمة تعاقب بالفقر .
عبدالواسع الفاتكي