آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-05:43م

المهجر ومخرجاته

الخميس - 29 مايو 2025 - الساعة 11:24 م
عبدالناصر محمد العمودي

بقلم: عبدالناصر محمد العمودي
- ارشيف الكاتب



ثمة أواصر مشتركة تربط بين إيليا أبو ماضي وعلي أحمد باكثير في سماء المهجر، بما تحمله من أبعاد ثقافية وفكرية وأدبية. فقد جمعتهما تجربة الاغتراب، لا من حيث المكان فقط، بل أيضًا من حيث التفاعل العميق مع بيئات جديدة أثّرت في تكوينهما الأدبي وأسهمت في صقل رؤاهما الفكرية.


لقد كان لكلٍّ منهما باع طويل في التعبير والتأثر والتأثير في أنماط الأدب الغربي؛ حيث انفتح أبو ماضي على الأدب الأمريكي، متأثرًا بشعراء الطبيعة مثل والت ويتمان وهنري ديفيد ثورو، فيما انشغل باكثير بالأدب الإنجليزي، متأثرًا بأعمال شكسبير، حتى ترجم بعضها، كما في ترجمته لمسرحية روميو وجولييت.


لم تكن الغربة مجرد انتقال مكاني لهذين الأديبين، بل كانت محطة أساسية في تشكل الوعي، إذ أتاح لهما المهجر بيئة حاضنة للإبداع، وحرية فكرية لم يجداها في أوطان كان يغلب عليها الانغلاق السياسي والاجتماعي والثقافي. من هنا، شكّلت المدارس الغربية الأدبية والفكرية ملاذًا لهما، استقيا منها بشغف، لتشكيل قالب أدبي جديد لم يكن من الممكن صناعته في بيئات طاردة لأي مشروع نهضوي.


وما أشبه تلك المرحلة بما نعيشه اليوم، مع فارق في التداعيات والظروف. فبلادنا لا تفتقر إلى مقومات النهوض، بل هي غنية بالطاقات والإمكانات، لكن التدهور الثقافي الناتج عن الفساد المؤدلج قضى على البنية التحتية للفكر الحر. وتصدر المشهد من لا يملكون أدوات المعرفة الحقيقية، حتى لو تحدثوا بلغات متعددة؛ فـ"الجهل المركب" أصبح أفيونًا لأولئك الذين يعتلون المشهد، ويمارسون أسوأ أشكال الاستبداد الثقافي.


كم من مفكر أراد النهوض بالوطن، فاعتُبر "مجنونًا"، وكم من مبدع حاول العطاء، فعثرات الحياة وسدّ الحاجة أوقفت خطاه. وكم من مخلص حلم بوطن يحتضن كل صاحب موهبة، فكان مصيره الإقصاء أو التهميش.


لكن رغم ذلك، بقي للأدب دور عظيم في حفظ شعلة الأمل؛ فقد تسلّل النور من بين سطور القصائد، ومن بين قوافي الشعر، لينبئ عن فجر قادم. فكم من بيت شعر كان سلاحًا فكريًا، وكم من حبر أجبر "الكتل الحديدية" أن تنصاع لإرادة الشعوب.


e.g.PME A BDULNASER ALAMODI