آخر تحديث :الثلاثاء-01 يوليو 2025-10:36ص

بين معبر الضالع و جبهاته تناقضات وطن ورؤية للخلاص

الجمعة - 30 مايو 2025 - الساعة 02:02 م
د. عارف محمد عباد السقاف

بقلم: د. عارف محمد عباد السقاف
- ارشيف الكاتب


بقلم: د. عارف محمد عباد السقاف


في مشهد مدهش تختلط فيه المشاعر، تعانق الخصوم في معبر الضالع الحدودي، بينما في الجانب الآخر لم يزل الرصاص يعلو صوته على صوت العقل، والدم يسفك في جبهات القتال. كيف يعقل أن تلتقي الأيادي في نقطة وتتشابك البنادق في أخرى؟! أي تناقض هذا؟ وأي وطن يحتمل هذا الكم من الازدواجية؟! إنها صورة مصغرة لواقع اليمن الكبير، حيث يتآكل الوعي وتغيب الثقة، وتضيع البوصلة بين مصالح آنية ومشاريع لا تمت بصلة إلى جوهر الوطن.


هذا التناقض الصارخ يضعنا أمام تساؤل مؤلم: هل نحن بحاجة فقط إلى اتفاق سياسي؟ أم أن ما نحتاجه فعلاً هو نهضة وعي تعيد بناء الإنسان اليمني على أسس وطنية حقيقية؟ ما يجمع اليمنيين ليس حمل السلاح ولا تقاسم الغنائم، بل الاتفاق على قيم راسخة تضمن للجميع العدل والمساواة والمشاركة في بناء الدولة.


أول ما يجب أن يتفق عليه اليمنيون أن يكونوا سواسية، لا فرق بين شمالي وجنوبي، ولا بين قبلي ومدني، ولا بين طائفة وأخرى. المواطنة الحقة لا تعرف الإقصاء ولا تقبل التهميش، فكل منطقة من هذا الوطن لها حق في الحكم، مثلما لها حق في الثروة والخدمات. لا يجوز لأي طرف أن يستفرد بالقرار أو يختطف مؤسسات الدولة لصالح مشروعه الخاص، فالدولة ملك الجميع، وثرواتها يجب أن تسخر لبناء الإنسان والبنية التحتية، لا لتنهب لصالح القادة والشيوخ و السماسرة والنافذين.


ولأن العدالة لا تستقيم إلا بمنظومة قيم واضحة، فإن سيادة الشريعة الإسلامية يجب أن تكون المرجع الأعلى في الحكم، شريعة تحمي الحقوق وتصون الحريات وتمنع الظلم وتضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم. كما أن بناء اليمن لن يكون إلا بالعلم والمعرفة، فالرهان الحقيقي ليس على البندقية بل على المعلم والأكاديمي والباحث. هؤلاء هم من يصنعون الأوطان ويبنون نهضتها.


ومن بين ما نحتاجه بإلحاح، هو التخلص من الوصاية الأجنبية بكل صورها ومسمياتها. لقد جربناها لعقود، ولم نحصد منها سوى الخراب، وآن الأوان لنستعيد قرارنا الوطني المستقل ونحدد مصيرنا بأيدينا. يجب أن ننهض بمؤسساتنا الوطنية ونعيد تحريك عجلة الاقتصاد في كل مجالات الحياة، فالتنمية لا تنتظر أحدا، والمواطن لم يعد يحتمل مزيدا من الصبر.


يجب أن تمنح كل محافظة حق إدارة شؤونها بنفسها عبر أبنائها، في ظل دولة عادلة وموحدة تكفل الحقوق وتوزع السلطات. هذه اللامركزية الإيجابية قد تكون مفتاحا لحل كثير من الإشكالات المتراكمة.


وفي هذا السياق، لا بد أن نوجه بوصلتنا شرقا، حيث الصين، الدولة التي صنعت معجزتها التنموية في عقود قليلة. حيث إن الاستفادة من خبرات الصين في مجالات التكنولوجيا والإنتاج والزراعة وبناء الطرقات والمنشآت تمثل فرصة عظيمة لليمن، خاصة إذا استطعنا أن نكون جزءا من مشروع "طريق الحرير" التجاري، الذي قد يفتح آفاقا اقتصادية واسعة لبلادنا ويجعلها محطة استراتيجية في التجارة العالمية.


علينا دعوة الشركات الأجنبية للاستثمار في بلادنا، خصوصا في مجالات الطاقة والإنتاج والبنية التحتية. فاليمن تمتلك موقعا جغرافيا فريدا، وسوقا واعدا، وموارد متنوعة، لكنها بحاجة إلى الاستقرار والثقة والتشريعات الجاذبة. الاستثمار ليس مجرد ضخ أموال، بل هو بناء شراكات طويلة الأمد تعود بالنفع على الجميع.


إن هذا الوطن المنهك لا يحتاج إلى مزيد من الشعارات، بل إلى وعي وطني شامل، وإرادة جامعة، ومشروع جامع يعيد لليمنيين شعورهم المشترك بالانتماء والكرامة والعدالة. حينها فقط، لن نشهد مشهدا يتعانق فيه الخصوم على المعبر ويتقاتلون خلف التلال، بل سنشهد وطنا واحدا، تصافح فيه القلوب قبل الأيدي، ويعلو فيه صوت البناء على صوت البنادق.


فهل آن الأوان؟