آخر تحديث :الأحد-15 يونيو 2025-12:48ص

يوم عرفة... حين تُراجع الروح تاريخها مع الله

الخميس - 05 يونيو 2025 - الساعة 02:30 م
سناء العطوي

بقلم: سناء العطوي
- ارشيف الكاتب



في ساحة الحياة، نتعب كثيرًا.

نمشي على الطرقات، نحمل الأمنيات، نرتكب الأخطاء، ننسى أنفسنا أحيانًا، وننسى الله أكثر مما نحب أن نعترف، لكن يأتي يوم عرفة كفرصة نادرة، كنافذة مفتوحة من السماء مباشرة إلى القلب.


في زحام العام، نعيش متسارعين، نؤجل مشاعرنا، نكتم خيباتنا، نحمل ذنوبنا بصمت، وتمرّ الأيام ونحن نراكم ما لا نتحمل.

حتى يأتينا يوم مثل عرفة، لنقف ـ ولو لساعة ـ ونقول بصدق: "تعبت يا رب... خذ بيدي."


هذا اليوم ليس فقط لمن يحج، ولا لمن يقف على جبل عرفات، بل هو لكل من لديه قلب ينبض بندم، ولديه روح تشتاق إلى الغفران.

هو يوم عالمي للحقيقة... أن الله لا يردّ من أقبل عليه.


في يوم عرفة، يشعر الإنسان كأنه يُعرض على نفسه من جديد:

ها أنت... بخطاياك، بآمالك، بخوفك، برجائك، بضعفك الفاضح الذي تخفيه عن الجميع إلا ربك.

ويكون منتهى الشجاعة أن تعترف:

"اللهم لم أكن كما أردت، لكني اليوم أعود."


هذا هو يوم عرفة... ليس فقط يومًا نكثر فيه من الدعاء، بل يوم نراجع فيه تاريخنا مع الله:

متى ابتعدنا؟ كيف سكتنا على الذنب؟ لماذا أضعنا ذلك النقاء الذي وُلدنا به؟


في هذا اليوم، لا تحتاج إلى فصاحة، لا إلى تعابير شاعرية، ولا إلى صياغة منمقة، فقط يكفي أن تقول


"يا رب... أنا عبدك، وكل ما فيّ بحاجة إليك."


هو اليوم الذي تتقلّص فيه المسافات بين الأرض والسماء، وتصبح الدعوة الخافتة في آخر الليل أقوى من صراخٍ في النهار.


في عرفة، تُكتب القرارات الخفية:

أن تعود، أن تترك، أن تبدأ، أن تصفح، أن تغفر لنفسك وتطلب الغفران ممن خلقك.


وفي صمت هذا اليوم، في خشوعه، في دمع العيون ومناجاة القلوب، يتراءى مشهد لا يُنسى:

أن هناك ربًا ينتظر، لا ليعاقب، بل ليحتضن.

ينتظر عبده يعود إليه، مهما ابتعد، مهما تأخر، مهما أثقلته الذنوب.


فيا كل قلبٍ أثقله ما مضى...

يا كل روح تتوق لبداية نظيفة...

يوم عرفة ليس يومًا عاديًّا، بل فرصة لا تُشبه غيرها.


فرصة لتقول لنفسك:

"سأبدأ من هنا، من هذا اليوم، من هذا الانكسار الصادق بين يدي الله."


الكاتبة سناء العطوي