في العاشر من يونيو ٢٠١٥م ، عامُ الفقد الذي لا يُنسى، تسللت يد الخيانة لتغتال ضوءًا من أنوار اليمن، وتطوي صفحة من صفحات المجد النقي. لم يكن اليوم عاديًا، بل كان نكبة على القلوب التي أحبّت، ونكسة لوجدان وطن لا يزال يفتقد رجاله الكبار.
في مثل هذا اليوم، ارتقى محمد حسين عشال، أخي وحبيبي الذي ما عرفته إلا قائدًا بحجم الحلم، أستاذًا بحجم الرسالة، وأبًا حنونًا بحجم الأمل، ورفيقَ دربٍ علمني كيف تُغرس القيم وتُروى بدم القلب.
لم يكن الرحيل مجرّد فَقْد، بل سقوط نجمٍ من سماء الوطن، وانطفاء سراجٍ من سُرج الدعوة والنضال، وانكفاء دفءٍ كان يضمّ الجميع بلا استثناء.
لم يكن قائدًا فقط.. بل كان رجلًا بحجم وطن
من قال إن محمد حسين كان مجرد قائد، فاته أن يراه حين كان يمسح دمعة، أو يشدّ على يد، أو يحتضن يتيمًا بضحكة أبٍ تشبه دفء السماء!
من قال إنه كان فقط سياسيًا، لم يسمعه يومًا وهو يواسي جريحًا، أو يحاور خصمًا، أو يعتذر لمسكين.
كان الحبيب الذي لا يُنسى، والرفيق الذي لا يُملّ، والصديق الذي لا يخون، والمعلّم الذي لا يُنسى.
بقدر ما كان عطوفًا حنونًا، كان صارمًا في الحق لا يحابي، لا يجامل في المبادئ، ولا يتنازل عن الحق مهما كانت التكاليف.
في حضرته، كان الصمت يتهيب، وكان الصغار يشعرون بالأمان، والكبار يستحضرون الرجولة التي عزّت.
كان عظيمًا في زمن الأقزام
في زمن تكاثرت فيه الأقنعة، كان وجهه صفحة صدق لا شائبة فيها.
في زمن ارتبك فيه الطريق، كان محمد حسين بوصلة الثابتين، وكان خطابه لا يتلعثم، وفعله لا يرتبك.
كان يجيد فنّ الحزم كما يجيد طمأنة القلوب، إذا غضب، غضب لله، وإذا عفا، عفا لله، وإذا سار، سار لله، لا لنفسٍ ولا لحزب ولا لغاية شخصية.
حبيب الناس ومرفأ القلوب
كان إذا مرّ في مجلس، خفت الضجيج، وهدأ التوتر، لأن محمدًا دخل.
كان روحًا تمشي بيننا، لكننا لم نُدرك أن الأرواح تموت حين تفارقها الأرواح.
ما رآه الناس في محمد حسين لم يكن رجلًا وحسب، بل مؤسسة من الأخلاق، جامعة من الرحمة، كتابًا من الوفاء.
وجدان من تعز.. وعمق من أبين..وروح من مودية.. ووجعٌ في كل اليمن
محمد حسين، الذي استشهد في تعز، لم يمت هناك فقط، بل مات جزء من كل بيت حر، ومن كل قلب أحب اليمن، ومن كل ضمير لم يبع وطنه بثمن.
افتقدته مودية، افتقدته أبين، افتقده كل طفل عانقه ذات جمعة، وكل شيخ صافحه ذات مجلس، وكل شاب سار خلفه ليهتدي بخطاه.
كان عند الشدائد أقوى من الزلزال، وأهدأ من النسيم، وأكثر بقاءً من الخوف.
يوم استُشهد، كأن الأرض فقدت ميزانها، والسماء أطفأت شموسها حدادًا.
يا من علّمتنا كيف يكون الرجال، كيف تكون الحياة، وكيف يكون الموت معنى
علّمتنا أن لا نُهزم ولو سقطنا، أن لا نساوم ولو جُعنا، أن نحيا بالحق، ونموت به، ولا نميل للهوى وإن تراكمت الأحزان.
أنت الذي علمتني كيف تكون الرجولة في اللين، والقوة في الرحمة، والثبات في المحن.
يا من تركتنا نرتجف بردًا في غيابك، ونبحث عنك في ملامح الرجال، فلا نجدك.
في الذكرى العاشرة: لا تزال قلوبنا موشومة باسمك
يا أستاذي وأخي وقائدي، يا من ما تركت فينا سوى الجمال والعبرة والموقف، نبحث عنك في أرشيف الأيام، فلا نجد إلا شتات وجعٍ لا يُروى، وسيرة لا تكفيها القصائد.
سلامٌ عليك في عليائك،
سلامٌ على نبلك، على صبرك، على صمتك، على قهرك المكظوم،
سلامٌ على نضالك الذي ما عرف التراجع، وعلى ابتسامتك التي كانت ترجمة للسكينة.
نم قرير العين ايا ابا اكرم، فالمحبون من بعدك ضائعون، والتاريخ من دونك ناقص، والوجدان بلاك يتيم... أما الوطن، فلا يزال يردد نشيدك... ويرفع الراية التي غرستها بيدك، وغسلتها بدمك.
—-----
✍️ عبدالعزيز الحمزة
الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠٢٥م