آخر تحديث :الإثنين-07 يوليو 2025-01:38ص

المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة وانعكاساتها على الأمن الإقليمي والملف اليمني

الأحد - 15 يونيو 2025 - الساعة 12:48 ص
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب


تشهد المنطقة اليوم تحولات استراتيجية عميقة ، على ضوء تطور الصراع الإيراني الإسرائيلي من مواجهة غير مباشرة عبر الوكلاء إلى مواجهة مباشرة ، تنذر بإعادة رسم موازين القوى في الشرق الأوسط ؛ حيث لم تعد الحرب تدور عبر الوكلاء فقط في العراق ، سوريا ، لبنان ، واليمن ، بل بدأت تتخذ طابعًا مباشرا يحمل أبعادا جديدة وخطيرة .


طبيعة الصراع بين إيران وإسرائيل ليس كما تروج له طهران ، صراعًا نابعا من دعم القضية الفلسطينية ؛ فإيران وظفت القضية الفلسطينية كغطاء أيديولوجي وسياسي ؛ لتمدد مشروعها الإمبراطوري ذي الطابع الطائفي في المنطقة العربية ، هذا التوظيف كان يهدف إلى : شرعنة تدخلها الإقليمي ، وإضفاء طابع تحرري عليه ، وكسب تعاطف الشارع العربي والإسلامي ، والتغطية على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها عبر أذرعها في المنطقة ، وإحراج الأنظمة العربية بإظهارها بمظهر العاجز والمتخاذل أمام القضية الفلسطينية ، إن جوهر الصراع الحقيقي بين طهران وتل أبيب يتمثل في تنافس استراتيجي على النفوذ الإقليمي بين قوتين ، تسعيان للهيمنة : إسرائيل بسلاحها النووي وتحالفها مع الغرب ، وإيران عبر شبكة الميليشيات وتمددها في الدول العربية .


احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق عام 2003 م ، غاضة الطرف عن التمدد الإيراني ، بل وفّرت له بيئة مناسبة للتوسع ، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان ثم في اليمن ، كان هذا جزءًا من مشروع الشرق الأوسط الجديد ، الذي رُوِّج له آنذاك ، ويهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة على أسس طائفية وإثنية جديدة ، لكن التحول الجذري بدأ يبرز قبيل هجمات طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 م ، حيث بدأت واشنطن والعواصم الغربية تدرك أن إيران لم تعد مجرد أداة فوضى يمكن ضبطها ، بل أصبحت قوة تهدد توازنات المنطقة ومصالح الغرب فيها ، ساهم في هذا التحول سعي إيران الحثيث نحو امتلاك السلاح النووي ، وتنامي تحالفها الاستراتيجي مع روسيا والصين ، كجزء من محور مضاد للغرب ، ومحاولاتها فرض نفسها كقوة إقليمية يصعب ردعها .


في ظاهر المشهد بدا أن هناك تباينًا أمريكيًا إسرائيليًا حيال كيفية التعامل مع إيران : واشنطن تدفع نحو التفاوض ، بينما تهدد تل أبيب بالخيار العسكري ، لكن الواقع أثبت ان هناك تنسيقا عميقا ومزدوجا بين أمريكا وإسراييل ، هدفه الأساسي خداع النظام الإيراني وإيهامه بوجود أمل في الحل الدبلوماسي ، وتقليل تكلفة المواجهة المباشرة على الولايات المتحدة وحلفائها .



من نافلة القول الحديث عن الدعم الأمريكي لإسرائيل في ضرباتها العسكرية على إيران ، والذي تجلى في المساندة العسكرية اللوجستية والمعلومات الاستخبارية ، والدعم السياسي ، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين وصف الضربات الإسرائيلية بأنها ممتازة .


من المهم الإشارة للموقف السعودي من الضربات الإسرائيلية على إيران ، فالمملكة العربية السعودية أظهرت موقفًا متزنًا وذكيًا في التعاطي مع التصعيد ، خاصة بعد استعادة العلاقات مع طهران في مارس 2023 م بوساطة صينية ، تمثل ذلك في النأي بالنفس عن أي اصطفاف مباشر في الصراع ، وإدانة الضربات الإسرائيلية على إيران ، ما فوت على طهران فرصة تبرير أي تصعيد أو توسيع للمواجهة ، واستغلال المشهد لتأجيج الجبهة الخليجية .


لا شك أن ما يجري بين إيران وإسرائيل ستكون له انعكاسات مباشرة على الملف اليمني ، خصوصا في ما يتعلق بالحوثيين ، الذين يشكلون أبرز أذرع إيران العسكرية في المنطقة ؛ فانشغال إيران بالدفاع عن الداخل سيؤدي إلى خفض الدعم المالي والعسكري للحوثيين ، مع احتمال تحول الميدان اليمني إلى ساحة تشتيت وابتزاز، إيراني ، فيما يتعلق بأمن الملاحة الدولية في باب المندب وخليج عدن والبحر الأحمر ؛ إذ أن أي تهور من قبل الحوثيين كاستهداف الملاحة أو تهديد التدفق الحر لحركة التجارة العالمية ؛ قد يؤدي إلى رد فعل دولي حاسم ، ويعجّل بفتح جبهات جديدة ضدهم ، مما يضعف موقفهم ميدانيًا وسياسيًا .


يبدو أن الضربات الإسرائيلية لم تكن ارتجالية ، بل أتت في إطار خطة متكاملة معدة بإحكام ، بدأت بتحييد أذرع إيران : حزب الله ، النظام السوري ، الحوثيين كمقدمة لضرب البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني ، ثم استهداف مراكز الطاقة والمواقع الحيوية ؛ مما يسرع من إنهاك النظام الإيراني داخليًا ، وتهيئة الداخل الإيراني للفوضى والانهيار التدريجي ، إسرائيل ترى أن هذه هي اللحظة المناسبة للتخلص من نظام الملالي ، بينما تجد إيران نفسها اليوم أمام خيارين أحلاهما مر : إما القبول بشروط أمريكية غربية قاسية في الملف النووي مقابل بقاء النظام ، أو التمسك بالمشروع النووي والمغامرة بانهيار النظام تحت وطأة الضربات والتدهور الداخلي .


المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل ، باتت واقعا بدأ يتشكل تدريجيًا على الأرض ، وهو ما يجعل الدول العربية ، وخصوصًا الخليجية مدعوة إلى التعامل بحذر استراتيجي كبير ؛ لتحصين أوضاعها الداخلية ، وتعزيز مناعتها الإقليمية ، أما اليمن فهو يقف على مفترق طرق : إما أن يتحرر من قبضة الوكلاء ، أو أن يتحول إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية ، على حساب امن واستقرار وحاضر ومستقبل اليمن وجيرانه .


عبدالواسع الفاتكي