آخر تحديث :السبت-28 يونيو 2025-01:42م

قرار الحسم واستراتيجية الاستعداد

الإثنين - 16 يونيو 2025 - الساعة 10:10 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


(ضمن سلسلة مقالات صرخة وعي، قراءة في استراتيجية التحفيز)


في معركتنا مع مليشيا الحوثي، لسنا أمام خيار سياسي أو مناورة مرحلية، بل أمام قدر وطني لا مفر منه، وقرار سيادي ينبغي أن ينبثق من صلب المصلحة العليا للدولة اليمنية، ووفق اعتبارات استراتيجية وطنية تراعي الواقع والممكن وتُخطط للغلبة لا للاستنزاف.

لقد أثبتت سنوات الحرب أن التأخر في اتخاذ قرار الحسم يُعيد إنتاج المأساة، ويضاعف من فاتورة الدم والدمار. وما لم تنتقل الحكومة الشرعية من مربع التلقي وردة الفعل إلى مربع الفعل المبادر، فإن زمام المعركة سيظل بأيدي من لا يؤمنون بالدولة ولا يعرفون لها معنى، بل يرون في بقائها خصماً وجودياً لطموحاتهم العنصرية وسلطتهم الكهنوتية.

أولاً: الحسم.. بين الرغبة والقدرة

من الخطأ أن تُبنى قرارات المواجهة الكبرى على حماسة انفعالية تثيرها أحداث ظرفية، أو على استجابات طارئة لما يجري هنا أو هناك، لأن هذا النمط من التفاعل لا يصنع نصراً بل يجلب الهزائم. إن من يذهب للقتال دون إعداد، يهلك في الطريق قبل أن يبلغ ميدان المعركة. ولذلك فإن قرار الحسم لا بد أن يصدر حين تكتمل أركانه:

استراتيجية مدروسة

خطط عملياتية واقعية

جاهزية عسكرية ومجتمعية

رؤية سياسية واقتصادية متماسكة

شراكة فاعلة مع الحلفاء على قاعدة المصالح لا التبعية

ثانياً: ضرورة إنهاء الانقلاب كهدف استراتيجي

إن استمرار الانقلاب الحوثي لا يمثل فقط كارثة على الدولة اليمنية، بل هو تهديد وجودي لنسيجها الوطني، ولسيادتها، ولموقعها في محيطها العربي والإسلامي.

إنهاء الانقلاب بات اليوم ضرورة استراتيجية، لا مجرد أمنية وطنية. فكل تأخير في هذا الملف:

يعمّق النفوذ الكهنوتي في خاصرة الوطن

يشرعن السلاح خارج الدولة

يكرّس الانقسام الوطني ويعيق إعادة بناء مؤسسات الدولة

يعقّد مهمة الاستقرار السياسي ويطيل أمد المعاناة الإنسانية والاقتصادية

ثالثاً: لا لحرب استنزاف جديدة

لكن هذا الحسم لا يمكن أن يكون بأي ثمن. فواحدة من أخطر الأخطاء التي قد تقع فيها الحكومة الشرعية هي الانزلاق إلى حرب استنزاف غير محسوبة، تُستنزف فيها مواردها، وتُنهك بها شعبها، دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب.

الحرب ليست خياراً عبثياً ولا رد فعل غريزي، بل هي أداة سيادية يجب استخدامها حين تتوفر القدرة على إدارتها بذكاء، وتقليل كلفتها وتعظيم نتائجها.

رابعاً: الاستعداد أولاً.. ثم المبادرة

على الحكومة الشرعية أن تبني قرارها السيادي بالحسم من منطلق استعدادها الذاتي، لا من منطلق استفزازات العدو أو ضغوط الخارج.

أن تبدأ بترتيب صفوفها العسكرية وفق خطط شاملة.

أن تُعيد هيكلة مؤسساتها الأمنية والعسكرية على أساس الكفاءة والانتماء الوطني.

أن تطلق خطة تعبئة مجتمعية تستنهض الشعب نحو معركة التحرير.

أن تُوظّف التحالفات الإقليمية لا كعصا غليظة تُحركها الأهواء، بل كرافعة استراتيجية ضمن رؤية يمنية متكاملة.

خامساً: فرصة في قلب المعركة

وحين تنطلق المعركة وتدور رحاها، حينها فقط يمكن اغتنام الفرص المفاجئة، ومباغتة العدو، وفرض إيقاع الحرب عليه، لا اللحاق به. فالمعركة لا تُكسب بالفرص الظنية، بل تُكسب بالبناء الحقيقي لعناصر القوة.

اخيراً: من الحسم إلى المستقبل

معركتنا مع الانقلاب الحوثي قدرنا الذي لا مهرب منه، لكنها في ذات الوقت قرارنا السيادي الذي لا يجوز أن نتركه لأمزجة الخارج أو لتقلبات المعركة.

إننا بحاجة إلى حكومة تعرف ما تريد، وتستعد لما يجب، وتفكر بعقل الدولة لا بهواجس الفصيل، وتخطط للسلام من موقع القوة لا من موقع الضعف.

لا نريد حرباً تُنهكنا أكثر، بل نريد حرباً تنهي الحرب.

ولا نبحث عن نصر خادع مؤقت، بل عن استعادة الدولة بكل مقوماتها.

ولن يتحقق ذلك إلا إن امتلكنا القرار، وامتشقنا الإرادة، وخططنا للنهاية العادلة من البداية الحكيمة.

—----

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الاثنين ١٦ يونيو ٢٠٢٥م