آخر تحديث :الأحد-06 يوليو 2025-12:22م

قمع ممنهج يطال حقوق المرأة العدنية تحت ذريعة الأمن

الأربعاء - 18 يونيو 2025 - الساعة 09:28 ص
هبة العيدروس

بقلم: هبة العيدروس
- ارشيف الكاتب


في صباح السبت الموافق: 14 يونيو 2025، لم تكن نساء عدن يتوقعن أن يكون الطريق إلى مديرية المعلا أو التواهي معبّداً بالإهانة والانتهاك. عند نقاط التفتيش، بلا مقدمات، وجدن أنفسهن تحت طائلة التفتيش القسري لبطاقات الهوية، بحثًا– بحسب ما قالته الجنديات – عن ثلاثة نساء "مطلوبات". لكن الواقع كشف عن وجٍه آخر: استهداف مباشر لحرية النساء في التنقل والتعبير.


في نقطة "الحمراء" أمام جبل حديد، أوقِفت الحافلات، ونظرت نساء أمنيات إلى النساء وسؤالهن عن بطاقات هوياتهن وأنه لن يسمح بالمرور لمن ليست بحوزتها وثيقة هويتها، كان ذلك دون توضيح يزيل الخوف من نفوس النساء بأن يتم أخذهن تحت مبرر مجهول، أو حتى احترام للخصوصية. لم يكن هناك أي إجراء قانوني يُبرر هذا التفتيش الجماعي، غير أنه ترهيب لنساء عدن اللاتي قررن كسر حاجز الصمت والخوف أمام حقوقهن وحقوق كل مواطن في هذه المدينة.


إن هذا السلوك، يتنافى ونص مادة 57 من الدستور ، ومادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث يُعد انتهاكًا صريحًا لحرية التنقل.


الاعتقال دون سؤال، هوية المرأة لا تُطلب، بل تُسحب


لم تسلم الناشطتان عفراء حريري ومها عوض من هذا السيناريو. توقفهما في شارع المعلا الرئيسي لشراء عبوات مياه لترويا عطشهما من شدة الحرارة التي ترهق عدن ومن فيها، لم يُطلب منهما التعريف بنفسيهما، ولم تُوجَّه إليهما أسئلة، ولم يُمنح لهما أي حق في إبداء موقف، تم اجبارهما على التوجه مباشرة إلى قسم شرطة المعلا وكأن الاتهام قائم سلفًا، والتهمة: كونهما امرأتين ناشطتين في عدن.

تم احتجازهما لما يقارب الساعة تقريبًا، دون أمر قضائي، أو فتح تحقيق معهما ومواجهتهما بأي تهمة. ثم يأتي الإفراج عنهما عبر توجيه مباشر من مدير الأمن.


ما جرى هنا لا يحتاج إلى كثير من التحليل للمادة 8 من قانون الإجراءات الجزائية التي تلزم مأمور الضبط القضائي الاستيثاق من وقوع الجريمة وأسبابها، وظروفها، وشخصية المتهم قبل جره إلى قسم الشرطة. وإن كان هناك أمر قبض، يجب فورًا ابلاغ المقبوض عليه بأسباب القبض عليه، وله حق الاطلاع على الأمر، والاتصال بمن يرى ابلاغه، واعلامه بالتهمة الموجهة إليه. وذلك وفقًا للمادة 73 إجراءات جزائية. وفعلا تم الاتصال بمدير أمن عدن وتم إطلاق السراح.


أما إذا كان الاحتجاز تعسفيًا، ولو لدقائق، أي أنه عمل مجرد من أي أساس قانوني، فإن كل هذه الإجراءات القانونية والأثر النفسي الذي تسبب فيه رجال الأمن ومدير قسم شرطة المعلا، يجعل تعسفه في استخدام السلطة والتوجيه بأوامر غير قانونية عرضه للمساءلة القانونية والمطالبة بالتعويض من الناشطتين. وهو أيضًا يعد انتهاكًا لنص المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "التوقيف أو الاحتجاز التعسفي".


الساحات أيضاً ممنوعة حتى التجمهر السلمي أصبح جريمة


في ذات اليوم، خرجت نساء عدن في ساحة شارع المعلا الرئيسي بتجمع سلمي للمطالبة بحقوقهن في حياة كريمة، وهو حق دستوري وقانوني لا جدال فيه. لكن الرد جاء بفرض تضييق أمني على المداخل والمخارج، ومحاولة خنق الحشد منذ اللحظة الأولى. بدى الأمر وكأن الساحة تتحول إلى مساحة محظورة لمجرد أن النساء قررن الحديث صوت عاٍل.


هنا، تتكسر مادة 44 من الدستور ومادة 21 من العهد الدولي المذكور سلفًا، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته ال21 الذين يؤكدون جميعًا على حق المواطنات في الاجتماع والتظاهر السلمي وتكفل الدولة هذا الحق.


وعود فارغة وخطاب مزدوج


كل ما حدث يُناقض تمامًا ما صرّح به محافظ عدن مؤخرًا خلال لقائه بعدد من الناشطات سابقًا، مؤكدًا دعمه لحقوق النساء وعدم اعتراضه على أي تحركات سلمية. لكن هذه الأحداث كشفت الفجوة بين الكلام والواقع. تصريحات تبدو للاستهلاك الإعلامي فقط، بينما الميدان يحكمه منطق القمع والترويع.


رئيس الحكومة، أين أنتم من عدن؟


في خضم الانتهاكات الأمنية والانهيار المتسارع في عدن، يغيب صوت رئيس الحكومة تمامًا. لا تصريح، لا توجيه، ولا حتى ظهور رسمي يوضح موقفه مما يجري.

ومع أن الانفلات الأمني أمر بالغ الخطورة، إلا أن ما يُفاقم الوضع هو التدهور الاجتماعي والاقتصادي المتواصل، والانهيار الكامل في الخدمات الأساسية، من كهرباء إلى صحة إلى مياه، وسط معاناة سكان المدينة بلا أفق واضح.


في ظل هذا الواقع، يبرز سؤال مهم: أين رئيس الحكومة؟

ما موقفه من مشهد القمع والتجاوزات؟

ما خطته لتخفيف معاناة السكان؟

وما المدة الزمنية التي سيلتزم بها لتقديم حلول حقيقية بدلًا من الاكتفاء بالصمت الإداري والسياسي؟


إن مادة 137 من الدستور تؤكد على أن رئيس الوزراء المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة للدولة، بما في ذلك حماية الحقوق، واستقرار الأمن، وتوفير الخدمات، ومكافحة الفساد. إن الصمت في هذه المرحلة لا يُعد حيادًا، بل شراكة في تقاعس الدولة عن دورها.


الناس لا تطلب المستحيل، بل تريد فقط من يتحدث باسمهم، يعترف بأوجاعهم، ويضع خطة واقعية بمدة زمنية واضحة لإنقاذ المدينة من مصير مجهول.


وفي غياب هذه الخطة المعلنة، فإن الحكومة تكون قد فقدت دورها الطبيعي، وتركت الناس لمصيرهم، في مدينة تُخنق كل يوم بلا مسؤول حقيقي.


د. هبة عيـدروس

خبيرة قانونية وباحثة حقوقية في قضايا المرأة، حريات التعبير، الجرائم الرقمية