بقلم: عبدالرب السلامي
18 يونيو 2025م.
قانون التدافع يفرض على الأمة التي تحمل مشروعا حضاريا، أن تمتلك من أدوات القوة ما يمكّنها من فرض التوازن الدولي بنفسها.
فإن عجزت عن ذلك، فعليها أن تُحسن استثمار التوازن القائم بين الأقطاب الأخرى؛ ففي طياته تكمن فرص ثمينة، تمنح الأمة النامية والمشروع الصاعد مجالا للحركة والمناورة وتحقيق العبور.
أما الحالة الثالثة، وهي الأخطر، فهي أن يختل التوازن وتُجرف الساحة لصالح طرف أوحد من أعدائها؛ فحينها تصبح مشقة البقاء، فضلًا عن الصعود، باهظة الكلفة، ثقيلة الثمن.
شهدت المنطقة، خلال العقدين الماضيين، حالة استقطاب حادة، كادت أن تفضي الساحة لصالح طرفين: إسـ.ـرائيل المدعومة غربيًا من جهة، وإيـ.ـران الدعومة من الصين وروسيا من جهة أخرى.
لم يكن العالم العربي السُّني مهيئا لصناعة قطب ثالث يُجابه الطرفين معا، في ظل ما تعانيه دوله من انقسام داخلي وعدم استقرار منذ الربيع العربي؛ وبالتالي ظل الخيار المتاح هو الاستفادة مما يوفره هامش التدافع من تقاطعات مصالح، وفرص لتحقيق بعض المكاسب.
نحن اليوم، أمام مرحلة حرجة للغاية، تنذر بتصفية الساحة لصالح قطب واحد، هو "إسـ.ـرائيل". فإذا قُدّر لحـ.ـرب إسـ.ـرائيل وإيـ.ـران، أن تنتهي بانتصار إسـ.ـرائيل، فإن ذلك سيؤدي إلى انطلاق يدها نحو بلدان أخرى. ولا يُستبعد أن تكون سوريا ــ بنظامها الجديد ــ أول المستهدفين؛ إذ تنتفي المصلحة معه، بعد زوال المهدد المشترك ومبرر التخادم تجاهه.
لعل هذا السيناريو المتوحش هو ما يقصده نتنياهو حين يكرر الحديث في كل خطاب عن "الشرق الأوسط الجديد"؛ فمصطلح "الشرق الأوسط" في مفهوم اليمين الصهـ.ـيوني، يرادف مصطلح "إسـ.ـرائيل الكبرى" (راجع: خطة ينون).
أما حين يقول ترامب: "إن عصر التدخل الغربي قد انتهى، وإن الشرق الأوسط سيُدار من داخله"، فلا أراه يقصد إلا نفس المشروع، ولكن بلسان إمبراطوري ناعم.
يبدو أن مواقف الدول العربية والإسلامية، التي أدانت العدوان الإسـ.ـرائيلي على إيـ.ـران، نابعة من إدراك هذا الخطر، وكذلك مواقف الهيئات المحترمة والمفكرين الناضجين، التي تنم عن إدراك واعٍ واستشعار عميق لمآلات المستقبل. وهذه نقاط مضيئة ينبغي البناء عليها.
ختاما: فقه سنن التدافع ضرورة!