آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-05:44م

عملاء أم شركاء

الخميس - 19 يونيو 2025 - الساعة 08:26 ص
عبدالناصر محمد العمودي

بقلم: عبدالناصر محمد العمودي
- ارشيف الكاتب


اليمن، تلك الأرض التي خلّدها التاريخ بحضاراتٍ عريقة كسبأ ومعين وحضرموت، كانت مهدًا للقيم والمبادئ قبل أن تكون موطنًا للبنيان والعمران. غير أنها اليوم تقف على مفترق طرق خطير، تتنازعها التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية، مما أدى إلى انحدار فكري وثقافي خطير.


فلننظر اين أصبحنا بعد أن كنا من حضارة القيم إلى ثقافة المصالح!!

فتحوّلت نظرة بعض أبناء اليمن من مبدأ "ما هو الحق؟" إلى تساؤلات مادية مقيتة: "كم ساجني؟ ومتى أستلم؟"، في نموذج فجّ لما يسميه علماء الاجتماع بـ"ثقافة الكم والمنفعة"، والتي تغرس في النفوس الجشع على حساب الشرف والدين والوطن. هذه الثقافة لم تنشأ عبثًا، بل زُرعت بأموال الخارج، بهدف تقويض الوعي الوطني، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وتحويل اليمن إلى ساحة صراع تديرها القوى الأجنبية عن بُعد.


ففي نظرية التبعية والاستعمار الناعم في علم الاجتماع السياسي، يذهب ماكس فيبر إلى أن انهيار الدولة يبدأ حين يُقدَّم الولاء الشخصي والمصلحي على الولاء الوطني، ويؤكد بيير بورديو أن "إعادة إنتاج الثقافة الاستعمارية داخل المجتمع المحلي من خلال النخب المرتهنة أحد أهم وسائل الاستعمار الناعم". واليمن اليوم يُجسّد هذه النظرية واقعًا، حيث تُصنع نخب سياسية تابعة لا تمثل مصالح الشعب، بل تُنفذ أجندات الممولين.


ومع تصاعد التحالفات في الشرق الأوسط، بات البعض يُجيّش الرأي العام ضد إيران لا انطلاقًا من عقيدة، بل لحسابات أنظمة فاشلة متحالفة مع العدو الصهيوني. وتُستَخرج أقوال السلف وفتاوى العلماء من سياقاتها لتُستخدم في غير مواضعها، فترى التجييش الطائفي مغلفًا بشعارات دينية زائفة ناسبين كل عمل لهم الى ابن تميه رحمة الله في فكره حينها لموقف معين عن الرافضة ولكن بالمقابل نرى قول ابن تيمية رحمه الله: "وأنا من أعظم الناس نهيًا عن تكفير المسلمين وتفسيقهم وقتالهم" (مجموع الفتاوى 3/229)، وهو بذلك يُبيّن خطورة التسرع في التكفير، وهو ما يؤكده قول الإمام مالك: "كل يؤخذ من قوله ويُرد، إلا صاحب هذه الحجرة" وأشار إلى قبر النبي ﷺ. وكما يقول الله تعالى: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾ [النساء: 59].وفي هذا السياق، قال ابن عثيمين: "الرافضة أقسام، فيهم الغلاة الذين يُكفَّرون، وفيهم الجهّال الذين يُبيَّن لهم، فإن أصرّوا استحقوا الحكم الشرعي"، ما يدل على أن التكفير ليس بإطلاق، بل خاضع للتفصيل وكذلك الخروج من الملة واستباحة الدم ففي هذا كلة تفصيل ولكن لايرونه فمايرونه مايتوافق مع الهوى في فكر المرجئة لهذا العصر .


*وقفه مع التكفير والدماء: بين المرجئة والخوارج*


قال النبي ﷺ: "من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما" (رواه البخاري ومسلم). فلا يباح دم مسلم إلا بحكم شرعي، كما في قوله ﷺ: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" (رواه البخاري).

فإن من يُكفّر مخالفيه وفق الهوى، ويسيء إسقاط أقوال السلف، ما هو إلا خليط من المرجئة والخوارج.ومايخدمون الا فكرهم في طاعة الحاكم زماهي الا النسخه السنية من ولاية الفقيه فكلاهما خارج عن مفهوم الشورى والحكم الرشيد. قال ﷺ: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" (رواه أحمد)، وقال أيضًا: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".فمن يحكم باسم الدين ثم يبطش، لا يمثل الشريعة بل يشوّهها.


وناتي الى المشهد اليمني الجرح الغارق بدمائه المهدرة ثرواتة المطعون من ابنائه


ففي وسط هذه الفوضى، نجد من ابواق مايدعون بالشرعية التحريض على الحوثي ويصفهم بأنهم وكلاء إيران،وانهم رافضه بنفس الاسطوانه التي اغرقت بها وسائل التواصل وهذا يدل على ان المحرك واحد باستخ\ام نفس العبارات التي لم يتكلف صاحبها تمحيصها في ميزان الفقة ويتهمون أيضا الحوثي بسرقة الوطن واغداق الأموال على أبنائهم ببذخ مقتنين افضل أنواع السيارات واغلاها ؟ دون أن يُشير ذلك البوق إلى أن من يسمون أنفسهم بـ"الشرعية" يعيشون في فنادق فاخرة، ويملكون المركبات والفلل، ويستثمرون ألاموال المسروقة في الخارج. ويمتلك ابناؤهم مركبات لو عمل اباه لاكثر من مليون سنه لما استطاع على نصف قيمتها فأين المصداقية؟


إذا كان الحوثيون قد سرقوا الثورة، فماذا عن من سرق الدولة؟ وهل من العدل أن يُطالب الشعب بالانتفاض ضد الحوثي، ولا يُطالب بالانتفاض ضد شرعية الفنادق؟

فان عدو اليمن الحقيقي ليس إيران وحدها، بل كل من:


من احتل الجزر والموانئ

من نهب الثروات

من مزّق النسيج الاجتماعي

من دعم سلطة عميلة تحكم من الخارج

إن المعركة الحقيقية معركة وعي. قال الله تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم﴾ [الحجرات: 10].


لنصنع جبهة فكرية توحد اليمنيين، بعيدًا عن الطوائف والمصالح الضيقة. ولنحاسب كل فاسد مهما كان موقعه. فإعادة بناء اليمن تبدأ من تحرير العقول من عبودية المصالح، ومن مواجهة العملاء قبل مواجهة الغزاة. لن تُبنى دولة حقيقية إلا بسيادة اليمن على أرضه وثروته وموانئه، أما من يدعون لمعارك ضد الحوثي ويبقون على سلطة الفنادق، فهم وجه آخر للعملة ذاتها.


فلنُحَصِّن وطننا من التكفير والتضليل، ولننهض بفكرٍ حرّ يُعيد لليمن مجده فاليمن سيبقى.. أرضًا وشعبًا.. عزيزًا أبيًا ضد الخونة والغزاة.

المستشار د. عبدالناصر محمد العمودي