آخر تحديث :الأحد-06 يوليو 2025-01:02م

جدلية الإنسان والدولة في اليمن

الأحد - 22 يونيو 2025 - الساعة 10:43 ص
مصطفى محمود

بقلم: مصطفى محمود
- ارشيف الكاتب


حين كتب هيغل عن الدولة، لم يكن يقصد تلك الكيانات البيروقراطية الباردة، بل كان يتحدث عن تجلٍّ أخلاقي أعلى للتاريخ. وكذلك ابن خلدون، حين تناول مفهوم العصبية، لم يكن يمجد القبيلة بقدر ما كان يفكّك منطق القوة قبل استقرار فكرة الدولة.


وهكذا هو اليمن، منذ البدء وحتى اللحظة—ساحة مفتوحة لهذا الصراع العميق بين الإنسان بوصفه فردًا حرًّا، يسعى إلى المعنى والكرامة، وبين السلطة كتحالف قسري بين العصبية والمقدس.

لم يعرف اليمن الدولة الحديثة على حقيقتها. بل عاشها كرموز:

- الإمام ظلّ الله،

- الشيخ ظلّ القبيلة،

- السلطان ظلّ الجغرافيا.


أما الإنسان اليمني، فقد ظلّ ممزق الولاء بين الجدّ والولي، بين الثأر والوصية، بين الدم والسلالة. لم يُمنح فرصة أن يكون "مواطنًا"؛ ظل "تابعًا" في نظامٍ يقوم على الطاعة والتبعيه لا على المشاركة.


ما بعد 1962 و1990: جسر معلق في الفراغ، فسقوط الإمامة لم يسقط الفكرة، ووحدة الشطرين لم توحّد النفوس. لا مرجعية ثقافية توحِّد، ولا وعي وطني جامع. وُلدت الدولة هشّة، بلا عقد اجتماعي، بلا هوية تتجاوز الولاءات الضيقة. بُنيت على تحاىفات حزبيه مصالح وركائز قبلية، وتخفت السلالة تحت عباءة الديمقراطية.

ظل اليمني يتأرجح بين صندوق الاقتراع وبندقية الثأر، بين الدستور والفتوى، بين الجبهة والمدرسة.


2014مـ لحظة الاظكشاف والتعري الكامل .... سقوط صنعاء لم يكن سقوط مدينة فحسب، بل انهيار للوهم الأخير بالدولة. تكشّف كل شيء على حقيقته:

- القبيلة تحوّلت إلى لواءٍ عسكري،

بيد السلاله - السلالة أعادت إنتاج الإمامة،- الخطاب تحوّل إلى لاهوتي طائفي، ومناطقي فروي

- والمواطن أصبح لاجئًا داخل بلاده... وجد اليمني نفسه بلا بيت سياسي، بلا سلطة تمثّله، بلا أفق. وهنا بدأ السؤال المؤلم: هل بناء الدولة ممكنة؟ أم أن بنية اليمن تقاوم الفكرة ذاتها؟...


في خضم هذا الفقدان، تتشكل الذات اليمنية الجديدة.. اعتقد اننا في هذه المرحله تتكوّن ذات يمنيه جديدة:- لم تعد تقدّس الشيخ،- ولا تصدّق الإمام،

- ولا تثق بالحزب.او النخب


لكنها حتى الآن لم تجد شيئًا تنتمي إليه. إنها ذات يمنيه تبحث عن وطن لا يشبه السجن. تدرك أن الدولة ليست مبنى ومسؤول ، بل عقدٌ وكرامةٌ ووعيٌ ومشاركة.


كيف تُبنى الدولة؟.... الجواب،

ليست الدولة قرارًا سياسيًا يُؤخذ من أعلى، بل ثمرة لتحولات عميقة:

1. تحول الإنسان من "تابع" إلى "مواطن": أن يتحرر من الولاءات اىغير وطنيه كبدائل عن الدولة.


2. تحول الوعي من "التمثيل بالغلبة" إلى "التمثيل بالمشاركة": أن يصبح السياسي خادمًا للناس، لا ممثلاً للعِرق أو الجغرافيا.

3. تحول الخطاب من "الديني الحاكم" إلى "المدني الضامن": أن يكون الدين أخلاقيًا، لا سلطويًا؛ وأن يُستعاد الإنسان من قبضة اللاهوت السياسي.


في النهاية ، من وجهة نظري ليست الدولة هي الغاية، بل الإنسان القادر على بنائها. كل ما يحدث—من فقر، وموت، وشتات، وصراع هويات—ليس إلا مخاضًا عسيرًا لولادة جديدة:

ولادة إنسان يرفض إعادة إنتاج القيود… ويخونها من أجل الحريّة.