المتغيرات الدولية الناجمة عن الصراع بين ايران والكيان الصهيوني والتي اشعلت حرب فضائية وانقسام بين كبرى الدول وانقسامها ما بين مؤيد لإيران ومؤيد للكيان جعلت من العالم برمته بؤرة احتكاك مهيئة لكثير من الصراعات والحروب التي قد تنشب هنا وهناك تحقيقا لأهداف دفينة كانت مؤجلة عجلت حرب الصواريخ من بروزها إلى السطح ووفرت السبل لتحقيق المقاصد التي طالما كانت محجوبة بالقواعد الدولية والقرارات الأممية وبسقوط الأساطير التي كانت ترعب العالم والدول بل و تجاوز تلك القمم التي كانت تملي على العالم الأوامر والقرارات وبهذا بات أمر تخطي أوامرها وقراراتها ممكن غير مستحيل .
إيران التي ظلت تحت الحصار الإقتصادي والعسكري والرقابة النووية الفائقة تخطت كل الخطوط وباتت قاب قوسين او ادنى من إمتلاك قنبلة نووية .
وهكذا النظام الملكي الحديث الذي سيطر على الدولة في صنعاء وبات هو شكل الحكم الجلي لها بوقوف رموزه الدينية والسياسية على رأس الدولة بعد سقوط الدولة السابقة .
النظام الجديد الحاكم لصنعاء مازال يطلق العنان لبصره ليسيطر على كل محافظات الجنوب معتبرا أن أرض الجنوب هي جزء من التركة التي خلفها النظام السابق وهو الوريث الشرعي لكل مخلفات الدولة التي يجب أن يتسلمها دفعة واحدة من أقصى الشمال إلى جنوبها وشرقها وغربها ولا منازع له في ذلك أحد وهو في سبيل تحقيق هذا الحلم تحرك في سيل جرار من القوى العسكرية التي تواليه والقوى التي ٱلت اليه كتركة من النظام السابق والقوى القبلية والطائفية من الشيعة الهادوية والزيدية المنطوية تحت المذهب الشيعي.
توقف حلم السيطرة على محافظات الجنوب وتقهقر الإجتياح تحت صمود أبناء الجنوب الذين هبوا كالريح هبة رجل واحد رغم قلة العدد ونقص التسليح لكنهم انطلقوا من روح وطنية ودينية حتمت عليهم الإصطفاف لحماية الحمى الجنوبي ورفض الوصاية الشمالية والوقوف في وجه التيار الشيعي الذي أراد التهام الجنوب كما كانت تصور له مزاعمه وأحلامه أن الجنوب لقمة صائغة يستطيع إلتهامها ولكن تلك الطموحات غير المشروعة تحطمت على فولاذ المقاومة الجنوبية المنطلقة من الإيمان والعقيدة بحقها في الإحتفاظ بالوطن بعيدا عن تدنيسه بالمطامع والمعتقدات الواهية.
عشر سنوات عجاف مرت منذ إعلان التحرير وإسقاط عنجهية الشماليين وغطرسة الحوثي تغيرت الأوضاع في الجنوب الذي كان من المفترض لملمة الصف وبناء دولته حيث كانت ومازالت كل الأمور مواتية لاستعادة الحق المسلوب والإنفكاك عن الهيمنة الشمالية وسقوط الدولة التي كانت طرف في الوحدة غير المرحب بها لكن مارسم على الواقع خلال تلك السنوات المزيد من التشرذم والتفكك مع تباعد الرؤى وتقزم بعض القيادات من خلال تقوقعها في ظل التبعية الإقليمة والدولية دون أن تكون صاحبة القرار المطلق في إدارة البلاد.
الشماليون اليوم وبعد كل تلك السنوات من انطلاق عاصفة الحزم وما تلتها من عواصف لم تحقق أهدافها من تطويق الحوثيين وتقليص قدراتهم القتالية مع استمرار الدعم الإيراني لهم وإصرارهم الحثيت في تطوير قدراتهم العسكرية والقتالية مستفيدين مما يقدم إليهم من دعم إيراني على كافة المستويات المادية والمعنوية واللوجستية مع حرصهم على الإستفادة من التركة المادية التي خلفها النظام السابق وعلى رأسها ترسانة القوات المسلحة للدولة المنهارة.
الشماليون اليوم يقفون موقف واحد بعد أن أصبحت الوحدة مشروع لن يقام إلا على سبيل الخيال عند كثير من القوى الجنوبية على المستويين الشعبي والسياسي لهذا يدرك الشماليون انهيار مشروع الوحدة واستمراره لهذا هم وعلى مختلف الساحات والمستويات يتحالفون لاستمرار مشروعهم الإتحادي العبثي وإن اختلفت رؤاهم وتباعدت لكن كلما استشعروا الخطر من الغاء المشروع الإتحادي تقاربت الرؤى ونبذت الخلافات على كافة المستويات السياسية والحزبية والطائفية.
فيلاحظ في الأونة الأخيرة الدعوات للتقارب واستيعاب بعضهم لبعض ودعوات نبذ الخلافات وطي صفحات الماضي وإن كانت مؤلمة والعمل كفريق واحد لانجاز المشروع الذي يرون تحقيقه عن طريق الحوار وإن فشلت كل طرق السلام فلابد من اللجوء إلى طريق القوة وانجاز مشروعهم عن طريق الإجتياح واستباحة الجنوب تحت وطأة المدافع والصواريخ التي باتوا يمتلكونها وبعد تمرس في استخدامها اكتسبوها من خلال خوضهم معارك عاصفة الحزم مع دول التحالف العربي وردودهم العسكرية للسعودية والأمارات ثم خوضهم معارك صاروخية جوية مع اساطيل امريكية في البحر الأحمر وصولا إلى الاشتباك الصاروخي مع الكيان الأسرائيلي.
في الوقت ذاته باتت القوى الجنوبية من الجنوب حتى الشرق تعيش حالة من التمزق والتفرق ودعوات لقيام كيانات مستقلة في حين فشل المجلس الإنتقالي في توحيد الصف وفقدانه شعبيته التي اكتسبها من دعوته في تحقيق شغف الجنوبين في الإنعتاف من قيود الوحدة وحلوله غير الناجحة في حلحلة الأوضاع ومعالجة الأزمات التي خنقت كل الشارع الجنوبي.
كل تلك المتغيرات الداخلية والخارجية هيجت عند الشماليين والحوثة كل الرغبات الدفينة في السيطرة على الرقعة الجنوبية إن لم يكن بالاقتناع والعودة نحو الوحدة والخضوع لما تمليه قواعد الإتحاد المزعوم والرضوخ لما سيوهب للجنوبيين في تلك الوحدة المزعومة من فتات وإلا خيار الحرب والإجتياح يظل الخيار المطروح
لكن السؤال هل الجنوبين على استعداد للرد على تلك التوجهات الشمالية وهل القوات الجنوبية قادرة على التعامل العسكري مع تكتلات القوى العسكرية والقبلية للشمالين وقبل ذلك هل القيادة السياسية استشعرت عودة الخطر الشمالي ورغباته في الإجتياح.
الشماليون على مختلف المستويات الإجتماعية والسياسية والعسكرية والشعبية قد تغلغلوا في أرض الجنوب وكونوا قواعد وخلايا قد تسهل أمام قواقل الشمال كل المهام وتحفق الأهداف وتجعل من تنفيذ رغاباتهم سهلة المنال.
الشماليون على مختلف المستويات ينظرون إلى المحافظات الجنوبية أنها باتت حق من حقوقهم لا يمكن التنازل عنه أو التخلي عن فكرة إستحواذه وهم في ذلك يسعون على مختلف الجبهات ومن مختلف مواقعهم على الحفاظ على ما يعتقدونه أنه مكسب من مكاسب الوحدة وكلا يسعى من موقعه على الحفاظ على هذا المكسب بطريقته فمنهم من يسير سيرا حثيثا في تثبيت هذا المكسب على حد زعمهم بكل الطرق السياسية وتنظيم اللقاءات والمؤتمرات ووضع البنود في الإتفاقيات مستفيدين من رغبة دول الاقليم في استمرار هذا المكسب الذي بات عند الجنوبين جنين اجهض قبل ولادته حيا. وفئة أخرى ترى إن استعادة الجنوب وتمكين حلمهم في ابقائه تحت قبضتهم لن يكون إلا بفرض أمر واقع ولهم عبرة في حرب صيف 1994م حيث تمكنت قوى الشمال العسكرية مسنودة بالقبائل والأحزاب الدينية التي كفرت الجنوبيين واستباحت دماؤهم مع تواطؤ بعض القوى الجنوبية التي عادت منتقمة لما حل بها في يناير ١٩٨٦م وقوى جنوبية أخرى رأت في بقاء القيادات الجنوبية السابقة وعودتها يعني عودة النظام الأشتراكي الذي سيجرف البلد نحو الشيوعية والكفر على حد معتقدهم فوقف صفا لنصرة وتمكين قوى الشمال الباحثة عن استمرار سيطرتهم على الجنوب.
لهذا تحاول القوى مغتصبة السلطة في الشمال إعادة التحالفات القبلية والحزبية بين جميع الشماليين من مختلف الأحزاب وإن كانت مخالفة لهم في الرؤى والأهداف والمذهب في سبيل تحقيق حلمهم في استمرار الإحتفاظ بالجنوب وإعادة الكرة عبر إجتياح عسكري.
لابد من اليقظة والحرص وإعادة لملمة الصف وتغير قواعد السياسة والإنفكاك عن التبعيات واستلام الأوامر من الخارج
لربما الإسراع في الإصلاحات السياسية والإقتصادية وتقديم التنازلات وإعادة فتح الحوار الجنوبي الجنوبي يقدم في المشهد ما يدفع بالأمور نحو الإصطفاف والإلتفاف نحو الراية الجنوبية للوقوف أمام مطامع الشمالين ووقف قوافلهم الراغبة في استباحة واجتياح الجنوب.
عصام مريسي