في اللحظة التي وقف فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مهنئًا إيران وإسرائيل على وقف إطلاق النار، بدا وكأنه يعلن نهاية مباراة ملاكمة مثيرة، لا خاتمة حرب. لغة التهاني بين "عدوين" مزعومين، ترسم صورة فاضحة: ما جرى لم يكن صراعًا وجوديًا، بل مشهدًا محسوبًا في لعبة توازنات تديرها واشنطن، ويجيد إخراجها النظام الإيراني والكيان الصهيوني معًا.
حرب بلا منطق… أهدافها ليست ما يُعلن
بدأت الحرب بردّ إيراني على اغتيالات وانتهاكات إسرائيلية طالت عمق النظام والحرس الثوري. جاء الرد عسكريًا، لكنه محسوب بدقة: صواريخ ومسيّرات تخترق الأجواء، دون خسائر كبرى. الغرض؟ ليس الثأر، بل ترميم الهيبة الإيرانية بعد سنوات من الانكشاف.
أما إسرائيل، فأدخلت شعبها الملاجئ، ثم خرجت لتتفاخر بالتصدي، وراحت تفاوض عبر الأمريكي لترسيم "نهاية آمنة" للجولة.
ترمب… الحكم واللاعب
الرئيس ترمب لم يكن وسيطًا، بل جزءًا من المعادلة. أمريكا قصفت مواقع نووية إيرانية بصمت، وأرسلت رسائل حازمة بأن هناك خطوطًا لا ينبغي تخطيها. والأهم: أنها حافظت على توازن الردع، دون تفجير المنطقة.
تصرف ترمب لم يكن عن انفعال، بل حساب سياسي بارد: لا يريد انهيار النظام الإيراني، ولا يسمح بانكسار إسرائيل. هو يدير صراعًا طويل الأمد، لا يريد له أن يُحسم.
غزة… البقعة المنسية
العدوان على غزة لم يتوقف أثناء هذه الحرب، بل تصاعد. فبينما كانت إيران تستعرض، وإسرائيل تفاوض، كانت غزة تُباد. لا أحد تذكّر الأطفال تحت الأنقاض. ولا العرب حتى امتلكوا شجاعة البيان.
هل انتهت الحرب؟ أم بدأت مرحلة جديدة؟
ما حدث لم يكن حربًا حقيقية، بل مناورة نارية معلنة. والمفارقة أن جميع الأطراف خرجوا منها دون كسر:
إيران بقي نظامها، وبرنامجها النووي، ومكانتها الإقليمية.
إسرائيل لا تزال تفعل ما تشاء، وتضرب من تشاء، دون محاسبة.
أمريكا لا تزال تتزعم ساحة الصراع بقبضة ضاربة وابتسامة باردة.
والعرب… لا يزالون يبحثون عن صيغة تعليق لا تُغضب أحدًا، ولا تنفع أحدًا.
ما الدرس؟
أن هذه الحرب ـ بكل جنونها ـ لم تكن عبثية كما قد يظن البعض. بل كانت دقيقة في أهدافها، محسوبة في خسائرها، مرسومة بدقة على مائدة القوى الكبرى. لكن ما كان عبثيًا حقًا، هو الموقف العربي والإسلامي: هامشي، عاجز، يتيم، مخزٍ إلى حد الألم.
لقد عرّت هذه الحرب هشاشة المنظومة العربية، وكشفت أن الذي لا يمتلك أوراق القوة، لا يكون شريكًا في القرار، بل مجرد متفرج في حفلة استعراضية دموية.
إنها حرب لا يمكن فهمها بالمنطق التقليدي للصراع والنصر والهزيمة… بل يجب أن تُقرأ بعين من يدرك أن هذه الحرب ليست سوى فصل في كتاب "نظام عالمي جائر"، تُكتب صفحاته فوق أجساد المستضعفين، دون أن تُسجَّل يومًا في محاضر العدالة.