لم تكن إيران هي من أتخذت قرار هذه الحرب، ولم تكن أصلًا لتفعل مطلقا، لولا أن إسرائيل هي من بدات هذه الحرب، وهي من قررت التوقف، وفقا لما رأته من تحقق الأهداف التي أرادتها،
وبعد الآن سيكون بيد إسرائيل وحدها العودة الى الحرب، متى ما رأت الضرورة لذالك، بينما كانت إيران المستسلمة طوال كل هذا الوقت، قالت مؤخرا انها متى ما توقفت إسرائيل عن الحرب سوف تتوقف.مسلمة بذالك أمرها لاسرائيل.
ومع اتضاح حالة عجز إيران في اتخاذ قرار الحرب، دعونا نتسائل
ماذا لو أن إيران هي من بدأت هذه الحرب مع إسرائيل؟ حينما كان مطلوبًا منها أن تذهب إليها لمنع وصول الحرب إلى أراضيها، ونصرةً لغزة التي تُركت وحيدةً تواجه حرب إبادة جماعية، دون أن يتحرك "المحور" الذي يُطلق على نفسه زورًا "محور المقاومة" بزعامة إيران تلك الدولة التي ظلت لسنوات تكذب وتدعي أنها تعدّ نفسها للمعركة الكبرى، تتوعد بتحرير الأقصى ومحو إسرائيل من الخريطة، وتتباهى بدعم حماس والفصائل الأخرى في الأراضي المحتلة.
ط
وفي الوقت الذي كانت غزة تُذبح وحيدةً على مرأى ومسمع من هذا المحور التعيس، لم يقدم لها "واحدية الساحات المزعومة" شيئًا في المواجهة غير المتكافئة مع إسرائيل، التي حولت القطاع إلى ركامٍ ودمار.
وبدلًا من أن تبدأ إيران المعركة - ليس التزامًا بمبدأ توحيد الساحات فحسب، بل لمنع وصول الحرب إليها - خاصةً وأن إسرائيل منحتها ذرائع كافية للدخول في الصراع، مثل اغتيال رئيسها ووزير خارجيتها في عملية نوعية (حتى لو لم تتبناها إسرائيل رسميًا بإسقاط المروحية التي كانا على متنها). لكن كانت كل الدلائل تشير الى إن إسرائيل هي من تقف وراء الحادث.
ثم ماذا؟ استمرت إسرائيل في إذلال إيران: فاغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عباس هنية داخل الأراضي الإيرانية يوم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، وضربت سفارتها في دمشق، واستهدفت عمقها الجغرافي. وفي كل مرة، كانت إيران تبتلع الإهانة وتدفن رأسها في الرمال، دون أن تثيرها تلك التصرفات للرد الحاسم أو حتى الدخول في الحرب. وحين ردت أخيرًا بالمسيرات والصواريخ (غير المتفجرة)، كان ذلك محاولةً لذر الرماد في العيون وإخفاء ضعفها المتفشي أمام شعبها.
لكن إسرائيل حصلت أمام عجز إيران على الرد فهم الرسالة التي تريدها، وأصبحت كالقرش الذي شمّ رائحة الدم والخوف في جسد إيران المهترئ، وأدركت أن اللحظة مناسبة لافتراسها - خاصةً وأن إيران ظلت تهرب من الحرب بلا ان تكون لديها خطةٍ لوقفها، إلا بالهجوم المباشر... وهو ما لم تفعله.
ولم تُجدِ نفعًا محاولاتها استثمار حرب غزة هذه المرة، ولا حتى التخلي عن حليفها القوي "حزب الله"، الذي انتقل إليه رعب إيران وارتعاشتها من المواجهة، فسقط فريسةً سهلةً بينما تحوي مخازنه آلاف الصواريخ التي لو أُطلقت لكانت كفيلةً بإيقاع دمار هائل بإسرائيل وكبح تغولها. وبدلا عن كل سقط حزب الله وقتلت أغلب قيادته بما فيهم الأمين العام حسن نصرالله وبعد يومين فقط قتلت إسرائيل الأمين العام الذي خلفه هاشم صفي الدين ومعها ظلت إيران تسقط أكثر، والتي لو امتلكت الشجاعة لخوض الحرب منذ البداية - سواءً نصرةً لغزة أو لحزب الله - أو حتى بعد استفزازات إسرائيل المتكررة، ربما لَغيّرت قواعد اللعبة. عندها لما تجرأت إسرائيل على التصعيد، ولما وجدت إيران نفسها تواجه المصير ذاته الذي تركته لحلفائها: معركةً خاسرةً بينما تبحث عن مخرجٍ لإنقاذ نفسها... وهو ما يبدو مستحيلًا. وقد دمرت منشأتها النووية وقتل علمائها وقادة الصف الأول العسكريين.
بعد أن كانت إيران قد اعلنت تخليها عن الجميع - بما في ذلك عن نفسها - وتركت غزة تباد وحيدة بعد ان تاجرت بقضيتها سنوات طويلة ودخلت مفاوضات مع أمريكا في وقت لم يجف بعد بحر الدم ،ودون حتى أن تحمل ملفها ضمن جدول مفاوضاتها.
والسؤال الأهم: ماذا لو أن إيران بدأت الحرب أولًا مع حرب غزة؟ جزء من الاجابة عليه، انها لربما كسبت المواقف وقلوب الجماهير العربية والإسلامية، وهي ترى إيران تفي بوعودها، وتخوض الحرب مع غزة انطلاقا من وحدة الساحات التي كانت تتحدث عنها وبالتأكيد ان غضب الشارع المفترض مع دخول إيران المعركة، كان كفيلا باجبار الحكومات على اتخاذ مواقف واضحة في دعم إيران والتحرك من أجل إيقاف الحرب، وخروج إيران منتصرة، مهما كان حجم خسارتها التي لم تكن الا لتضاف في جملة النصر المحقق لإيران مهما كانت خسارتها فانها ماكنت تصل الى حجم خسارتها اليوم بعد ان منيت بالهزيمة المذلة في عقر دارها... أليس كذلك؟
لكنها للاسف لم تفعل وأختارت الهزيمة النهائية والسقوط المدوى المضاف الي مشهد مواقفها الحقيقة فى زعزعة أمن واستقرار دول المنطقة، وتصدير مشروع الفوضى، من خلال دعم ميليشيات تعمل خارج نطاق الدوال، لتكون مصدر معاناة لشعوب ضاقت الويلات على يد إيران، وزاد خذلان غزة من الغضب على إيران وتمنى سقوطها حتى وان كان على يد إسرائيل