بعد شهرين من التنقل بين الصين، فرنسا، ألمانيا، مروراَ بعُمان، مصر، والسعودية، لم يكن السفر بالنسبة لي مجرّد انتقال جغرافي، بل كان رحلة تأمل عميقة في حال الأمم، والعقول، والمؤسسات.
في الصين، رأيت كيف يمكن للدولة أن تُسخّر التكنولوجيا لتقود النمو، لا لتتبعه. هناك لا يتحدثون عن المستقبل فحسب، بل يصنعونه بخُطط خماسية وإرادة حديدية، في فرنسا، حضرت منتدى VivaTech بدعوة كريمة من السفارة، وهناك رأيت كيف يُمكن للابتكار أن يُصبح ثقافة عامة، لم تكن الفعالية فقط عن التقنية، بل عن روح ريادة الأعمال والانفتاح على الأفكار القادمة من ماوراء البحار، شعرت أن العالم يبحث عن شركاء لا مجرد مستهلكين. وفي ألمانيا، عدتُ إلى حيث بدأت رحلتي التعليمية، إلى جامعة رويتلنقن العريقة، حيث لا تُمنح الشهادات فحسب، بل تُصنع القيادات. هناك أدركت أن الجامعات العظيمة لا تُخرّج موظفين، بل تبني عقولًا قادرة على التغيير.
لقد تأملت خلال هذه الرحلة أن المشكلة ليست في قلة الموارد، ولا في نقص العقول، بل في غياب التغيير الداخلي الذي يُولد الرؤية، ويُوجه العزيمة، ويصنع السلوك. اليوم، ونحن نقف على أعتاب مرحلة مفصلية في واقعنا اليمني حيث تتشابك الأزمات مع المصالح وغياب الرؤية وضعف العزم، يجب علينا أن نستلهم أمل التغيير من خلال تغيير المنظورات قبل السلوكيات، وفي لحظة راسخة على بعد إيماني عميق نستلهم مما بدأه العالم د. جودت سعيد ذلك المفكر الذي لم يحارب بالسلاح، بل بتحفيز وعي الأمه وفهم السنن، تلك السنن التي لا تحابي أحد ومن فهمها ساد ومن جهلها باد. جودت سعيد لم يكن مجرد داعية بل مفكر وعالم نبهنا أن التغيير لا يتم بالدعوات المجردة أو الغضب على الواقع، بل يبدأ من فهم السنن التي تحكم الحياة، من قراءة قوانين الكون التي زرعها الله في الأرض كما زرعها في النفوس.
ومع كل التجارب والمحاولات ودعوة الله أن يرشدنا للحق، نعيش تجربة فريدة مع منهجية العادات الـ 7 والكتاب الشهير "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" للمفكر العالمي د ستيفن كوفي، ذلك الكتاب الذي تحول إلى منظومة ومنهجية عمل لتطوير القيادات على مستوى العالم والذي أدركت منه بعد رحلة من التدريب والممارسة والاعتماد كمدرب دولي، أن العادات السبع التي صاغها ستيفن كوفي ليست مجرد منهج أمريكي بحت لتطوير الذات، كما يظن البعض، بل هي في جوهرها ترجمة معاصرة لسنن قرآنية خالدة، تعمل في حياة الأفراد والأمم منذ فجر التاريخ. العادات السبع ليست عادات "غربية" الصنع، بل كونية المصدر، تعمل مع من فهمها، وتسقط من جهلها، لأنها ببساطة مستمدة من قوانين الفطرة.
التغيير الحقيقي: حين تلتقي السنن بالرؤية والعادات
أنا، ربيع العوبثاني، لا أؤمن بالتغيير اللحظي، بل أؤمن أن القائد يُولد حين تُبنى الرؤية في أعماق الذات ـــ على هدي السنن الألهية ـــ ثم تُترجم إلى عادات راسخة تصنع التغيير.
دعوة مفتوحة للجيل الجديد
يا شباب اليمن، لا تنتظروا المخلّص ولا تُراهنوا على الظروف، بل افهموا السنن، وابنوا الرؤية، وتمرنوا على العادات، وابدؤوا من أنفسكم. فمن يبدأ بنفسه، لا يحتاج لمن يُغير له العالم، لأنه هو العالم الذي يتغير.
للحديث بقية في المقال الثاني من السلسلة.