الوطنيون يعيشون طوال الوقت دون أن يشعر بهم أحد، ولكن عندما يختفون، يدرك الجميع قيمة غياب هؤلاء الأبطال الذين كانوا يرسمون الطريق لشعوبهم. كم نحن بحاجة إلى هذه المدرسة التي لم تتكرر. بالأمس، قدم مدير مستشفى ابن خلدون استقالته، لماذا؟ لأن الوطنية وحب الوطن يموتان أمام حكم العسكر والعقول الفارغة. قد يكون من السهل نقل الإنسان من وطنه، لكن من الصعب نقل وطنه منه. الوطنية شعور ينمو في النفس ويزداد اشتعاله في القلوب كلما كثرت هموم الوطن وعظمت مصائبه. الوطن هو المكان الذي نحبه، فهو المكان الذي قد نغادره، لكن قلوبنا تبقى فيه. عندما يمسك بالقلم جاهل، وبالبندقية مجرم، وبالسلطة خائن، وعلى المنبر فاجر، يتحول الوطن إلى غابة لا تصلح لحياة البشر. كم هو عزيز الوطن على قلوب الشرفاء، حيث تشتاق الكرام لأوطانها كما تشتاق الطيور لأوكارها، وتسترجع فيها ذكريات الصبا، مما يزيد شوقها لتلك الذكريات. كثيرون يدورون حول السلطة، وقليلون حول الوطن. تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة: فلاح يغذيها، وجندي يحميها، ومعلم يربيها... أين المعلم إذا اختفى؟ إذا غاب المعلم، انتهى الوطن. تُعرف قيمة الأوطان عند فراقها. كنت أظن أن الحزن يمكن أن يكون صديقاً، لكنني لم أكن أتخيل أن الحزن يمكن أن يكون وطناً نسكنه ونتحدث لغته ونحمل جنسيته.
عبد الله هادي أحمد المنصب