آخر تحديث :الإثنين-07 يوليو 2025-01:38ص

لماذا الإصرار على الارتهان؟

الأربعاء - 02 يوليو 2025 - الساعة 07:16 ص
د.شادي البخيتي

بقلم: د.شادي البخيتي
- ارشيف الكاتب


منذ اندلاع الحرب في اليمن، وما تبعها من تعقيدات سياسية وعسكرية، باتت علاقة الأطراف اليمنية بالقوى الإقليمية والدولية أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. تحوّل القرار الوطني من كونه مسؤولية داخلية إلى ورقة تفاوض تُدار من خارج الحدود، وتُحركها مصالح إقليمية ودولية لا تمت بصلة إلى تطلعات الشعب اليمني.


وبعد ما يزيد عن تسع سنوات من الصراع، يبرز سؤال ملحّ: لماذا تُصرّ الأطراف اليمنية، على اختلاف توجهاتها، على الارتهان للخارج؟


لطالما تحركت القوى السياسية والعسكرية في اليمن بدوافع مرتبطة بمصالحها الضيقة لا بالمصلحة الوطنية الشاملة. وقد غدا الارتهان للخارج وسيلة للبقاء، ولضمان النفوذ والدعم، حتى لو كان ذلك على حساب السيادة والاستقلال وحقوق المواطنين.


المؤسف في الأمر أن بعض هذه الأطراف باتت تُفاخر علنًا بعلاقتها بالقوى الخارجية، وتعتبر ذلك مدخلًا لاكتساب الشرعية أو الاعتراف الدولي، دون أن تطرح بالمقابل مشروعًا وطنيًا يُنهي النزاع أو يبني الدولة.


يمكن القول، دون مبالغة، إن معظم الفاعلين السياسيين والعسكريين في المشهد اليمني غير قادرين على اتخاذ قرار مستقل تمامًا. فكل طرف يعتمد، بدرجة أو بأخرى، على دعم سياسي أو مالي أو عسكري من عاصمة إقليمية أو دولية. وقد انعكس هذا الواقع بشكل واضح على طبيعة التفاوض، الذي تحوّل من حوار يمني–يمني إلى عملية خارجية معقّدة يُستخدم فيها اليمني كأداة، لا كصاحب قرار.


ورغم هذا المشهد القاتم، لا يمكن تجاهل أن هناك أطرافًا محترمة داخل الساحة السياسية اليمنية. إلا أن هذه الأطراف نفسها كثيرًا ما تُعاني من غياب القرار المستقل، لا بسبب غياب الرغبة أو الوعي الوطني، بل نتيجة واقع تفرضه بنية السلطة الفاسدة، وضعف القيادة في أعلى هرمها، ما يعرقل قدرتها على الفعل، ويقيد استقلالها.


وبصراحة، لا تفتقر الساحة اليمنية إلى شخصيات قيادية نزيهة وكفؤة، قادرة على تقديم نفسها لليمنيين وللعالم الخارجي بصورة محترمة، وعلى أساس مشروع وطني جامع. المشكلة لا تكمن في غياب هذه الشخصيات، بل في أن من تصدّروا المشهد في هرم السلطة، في كثير من الأحيان، جاءوا عبر مسارات غير قانونية، أو تم تمكينهم بطريقة لا تعبّر عن الإرادة الشعبية الحقيقية، بل عن مصالح ضيقة واصطفافات خارجية.


وسط هذا الواقع، يبقى المواطن اليمني هو الخاسر الأكبر. في ظل انقطاع المرتبات، وانهيار الخدمات، وتدهور المعيشة، وتوسع النزوح والفقر، لم يعد يملك سوى الانتظار في وجه ضبابية الحل، في حين تنشغل القوى المتصارعة بمكاسبها على حساب آلامه.


وبقدر ما تُظهر هذه الأطراف من ارتهان واضح للخارج، إلا أن المفارقة أنها لا تزال تحتفظ بالقرار الحقيقي على الأرض، عبر قواتها ونفوذها في الواقع الميداني. ومع ذلك، فإن المناطق المحررة ما زالت تفتقر إلى النموذج الجاذب، فلا توجد فيها إدارة وطنية قوية تُمثل مثالًا يُحتذى، ولا قيادات شجاعة تمتلك الإرادة والقرار، وتستطيع إحداث تغيير حقيقي يُعيد ثقة الناس بالدولة ويمنحهم أملاً بمستقبل أفضل. وهو ما يعمّق أزمة الثقة بين الشعب والسلطة، ويجعل من شعار “التحرير” مجرد شعار شعاراتي بلا مضمون وطني حقيقي.


إن المطلوب أولًا هو الاعتراف الصريح بأن القرار اليمني لم يعد مستقلًا كما ينبغي، وأن السيادة الوطنية تتآكل تحت وطأة التبعية. لكن هذا الاعتراف لن يتحقق ما لم يُمارس ضغط مجتمعي وشعبي واسع على مختلف الأطراف، يُهدد بشكل مباشر مصالحها ومواقعها، ويجعلها تدرك أن استمرار الارتهان له ثمن سياسي وشعبي قد يُفقدها شرعيتها ومكانتها.

وبكل أسف، فإن هذا الضغط – على المدى القريب – يبدو بعيد المنال، في ظل ما يعانيه اليمنيون من إنهاك شامل بفعل الحروب المتواصلة، وانهيار الاقتصاد، وتدهور المعيشة، وغياب الدولة، ما جعل الأولوية عند الناس هي البقاء لا المقاومة.

ومن هذا الإدراك، يمكن الانطلاق نحو إعادة بناء المشروع الوطني، بعيدًا عن تدخلات الخارج، من خلال حوار داخلي خالص، يمنيّ الهوية، واضح الأهداف، خالٍ من الوصاية والانحياز.


قد لا يكون هذا الطريق سهلًا، لكنه الطريق الوحيد لاستعادة الدولة والكرامة والقرار.


فالحصول على دعم خارجي ليس في ذاته عيبًا، إنما الخلل يكمن في الارتهان الكامل، وفي التنازل عن السيادة مقابل مصالح آنية. لقد دفعت اليمن ثمنًا باهظًا لهذا الارتهان،

وقد حان اليوم الذي يعيش فيه اليمني بكرامة وعدل

د.شادي البخيتي