كتب/ د. باسم جلال
في جلسة أخيرة من جلسات مجلس النواب اليمني، أُعلن عن تشكيل لجان للنزول الميداني إلى المحافظات لتقييم أداء السلطات المحلية، وهو قرار –في ظاهره– يحمل بُعداً رقابياً محموداً، لكنه حمل في طياته علامة استفهام غريبة حين تم استثناء محافظة أرخبيل سقطرى من تلك اللجان.
هذا الاستثناء ليس سابقة. بل هو حلقة جديدة في مسلسل التهميش الذي عانت منه سقطرى عبر العقود، رغم أهميتها الجغرافية، وثقلها البيئي، وثرائها الثقافي، وعراقة هويتها اليمنية. فماذا يعني أن تُستثنى سقطرى؟ وما الرسالة التي تصل إلى أبنائها من خلال هذا القرار؟
السقطريون جزء من الدولة وليسوا هامشها.
سكان سقطرى مواطنون يمنيون كاملو الحقوق، يشاركون في الانتخابات، ويخدمون في مؤسسات الدولة، ولهم مطالب ومظالم مثل باقي المحافظات. واستبعادهم من رقابة مجلس النواب، يُعد تجاهلاً مؤسفاً لانتمائهم، وتهميشاً لحقوقهم، وتساؤلاً مشروعاً عن "موقع سقطرى من خارطة القرار اليمني".
التوقيت يثير الشكوك، يأتي استثناء سقطرى في وقت تتصاعد فيه المخاوف بشأن سيادتها، وتنامي النفوذ الأجنبي في مفاصل القرار المحلي فيها، ما يجعل غياب الرقابة البرلمانية وكأنه تفويض غير معلن للاستمرار في العبث الإداري والسيادي في الجزيرة. فهل يخشى مجلس النواب مما قد تكتشفه لجانه هناك؟ أم أن هناك جهات لا ترغب في فتح الملفات المغلقة؟!!
لا يمكن مراقبة اليمن بنصف عين إذا كان مجلس النواب يسعى فعلاً لتفعيل دوره الرقابي، فإن الرقابة يجب أن تشمل الجميع دون تمييز. فالرقابة المجتزأة تفتح باباً للشك وتفرغ المبادرات الإصلاحية من محتواها. وسقطرى ليست فقط محافظة مهمّشة، بل هي اليوم موقع استراتيجي تتزاحم عليه المصالح، وأي تجاهل لها هو تغطية سياسية مقصودة أو عجز مخجل.
أبناء سقطرى لا يطلبون معاملة خاصة بل معاملة عادلة.
لم يطلب أبناء سقطرى يوماً امتيازات أو تفرقة إيجابية. بل كل ما يطالبون به هو أن يكونوا في قلب المعادلة الوطنية، لا على هامشها، أن تكون الرقابة والتطوير والاهتمام شاملة للجميع، لا انتقائية مبنية على اعتبارات سياسية أو جهات نافذة.
يبقى على مجلس النواب أن يصحح هذا الخطأ، وأن يثبت أنه فعلاً يمثل اليمن كل اليمن، من المهرة إلى صعدة، ومن أرخبيل سقطرى إلى ساحل تهامة. وأن يؤكد أن سقطرى ليست مجرد جزيرة نائية في الجغرافيا، بل هي قلب ينبض في الجسد اليمني، لا يجوز بتره، ولا تركه وحيداً في مهبّ الريح.