آخر تحديث :الخميس-14 أغسطس 2025-09:27م

الشرعية اليمنية : صراع النخب وغياب الدولة.

السبت - 05 يوليو 2025 - الساعة 04:19 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


تتجه اليمن نحو مزيد من التشظي السياسي والانهيار المؤسسي في ظل تصاعد التوترات داخل ما يُفترض أنه أعلى سلطة تنفيذية في البلاد مجلس القيادة الرئاسي. المجلس، الذي أُنشئ في أبريل 2022 بقرار مفاجئ من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، بات اليوم ساحة مكشوفة لصراع النفوذ بين أجنحة لا يجمعها إلا الكراهية المشتركة للحوثي، بينما تختلف جذريًا في كل ما سواه، من الرؤية إلى المصالح، إلى التحكم في القرار السياسي والاقتصادي، بل وحتى في الجغرافيا. الشرخ الأخير، الذي انفجر على شكل بيان هجومي من “المكتب السياسي للمقاومة الوطنية” بقيادة العميد طارق صالح، ضد رئيس المجلس رشاد العليمي، كشف عمق الأزمة البنيوية في المجلس الذي لا يستند إلى أي أساس دستوري أو توافقي حقيقي، بل إلى تفاهمات إقليمية مفروضة، وشخصيات متناحرة لا يجمعها مشروع وطني جامع.

الاتهامات التي وُجهت للعليمي من الإقصاء، إلى التلاعب بالتعيينات، إلى تهميش بقية أعضاء المجلس لا تعكس فقط خلافًا شخصيًا، بل فشلاً ذريعًا في إدارة مؤسسة يُفترض أن تكون بديلاً توافقياً لسلطة منقسمة. وهي في الحقيقة ليست سوى واجهة هشّة لصراع أعمق على النفوذ والمصالح داخل معسكر “الشرعية” المتهالك. لا يمكن لأي كيان سياسي أن يكتسب الحد الأدنى من الفاعلية بينما غالبية أعضائه في حالة “منفى اختياري” دائم في الرياض وأبو ظبي. ستة من أصل ثمانية أعضاء لا يطأون أرض اليمن إلا نادرًا، وإن فعلوا، فبمراسم شكلية قصيرة تُدار تحت مظلات أمنية مشددة. في ظل هذا الغياب، تم تعليق اجتماعات المجلس، وتُركت البلاد لسلطات الأمر الواقع، والفراغ الإداري، والفوضى السياسية. كيف يمكن إذًا لهذا المجلس أن يواجه الحوثيين، أو يعيد بناء دولة، أو حتى يصدر قرارًا حقيقيًا يُحترم على الأرض ؟ في أنظمة طبيعية، تُدار الخلافات داخل الغرف المغلقة وتحت مظلة مؤسساتية واضحة. أما في اليمن، فمجلس القيادة يفضّل أسلوب “المهاترات الإعلامية”، والبيانات النارية، والتسريبات المقصودة. الهجوم العلني من طارق صالح ضد رشاد العليمي، وحملات التشهير المتبادلة بين أنصارهما، دليل قاطع على غياب مفهوم الدولة، واستبداله بمفهوم العصبة والتخندق القبلي والمناطقي. في الاجتماع الأخير مع قادة الأحزاب السياسية، ظهر العليمي وكأنه في مواجهة مع أعضاء المجلس كافة. اتهمهم بتعطيل العمل، وتغيبهم الدائم، واستلامهم مخصصات دون إنجاز. كشف عن تهريب نفط في شبوة باتجاه حضرموت، ملمحًا لتورط أعضاء نافذين. لم يُنكر وجود الخلافات، لكنه سعى لتأطيرها في إطار “تنافس مشروع ضد الحوثي”، وكأن الأزمة مجرد سوء فهم تنظيمي. الأحزاب السياسية التي تحضر اجتماعات العليمي غالبًا بدافع الإحراج أو المجاملة انتقدت بدورها التعيينات التي أجراها رئيس المجلس لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي اقتصرت على أسماء من منطقة جغرافية بعينها، دون مراعاة للكفاءة أو التوازن الوطني. يُفترض أن تكون هذه الأحزاب جزءًا من الحل، لكنها أصبحت شاهد زور على عبث النخب الحاكمة. كل يوم يتأخر فيه المجلس في حسم خلافاته، يمنح الحوثيين فرصة جديدة لتعزيز سلطتهم، وتوسيع نفوذهم، وتقديم أنفسهم كممثل وحيد يمتلك زمام السيطرة على الأرض. كما أن هذا الانقسام أضر بالعلاقات الدولية، فتراجع الدعم الدولي سببه الرئيس هو فشل المجلس في إظهار صورة من الوحدة أو تقديم نتائج ملموسة على الأرض. الاتصال الهاتفي الأخير بين العليمي وطارق لا يعني شيئًا سوى وقف مؤقت لإطلاق النار في معركة داخلية مرشحة للانفجار مجددًا. هذه ليست إدارة خلافات بل ترحيلها. الخلاف الحقيقي ليس على المناصب أو على “التدوير الرئاسي”، بل على من يُمسك مفاتيح القرار، ومن يملك الميليشيا، ومن يحدد شكل الدولة القادمة، إن وُجدت أصلًا. ما يحدث داخل مجلس القيادة الرئاسي ليس مجرد أزمة سياسية، بل فضيحة وطنية بكل المقاييس. مجلس بلا دولة، ورئاسة بلا تفويض شعبي، ومعارضة داخلية مسلحة بأذرع إعلامية، ومصالح إقليمية تتقاطع دون أي وازع سيادي. الشعب اليمني الذي أنهكته الحرب والفقر وانهيار الدولة، بات رهينة لنزوات قادة لا يجمعهم إلا الكرسي، ولا يديرهم إلا من يمولهم من الخارج. وفي ظل هذا المشهد البائس، فإن بقاء مجلس القيادة بصيغته الحالية ليس سوى وصفة مضمونة لمزيد من الانهيار. الوقت ليس في صالح أحد.. إلا الحوثي.