لماذا كل هذا العطش في مدينة كانت تغني للينابيع
لماذا أصبحت تركضين خلف قارورة ماء كما يركض الطفل خلف بالون طار في الهواء لماذا صار الماء أمنية، والوضوء مغامرة، والاستحمام مشروع استثماري يحتاج تخطيطا مسبقا
لماذا تعز
هل أخطأت في حق أحد فحرمت من النقاء
هل رفعت صوتك أكثر من اللازم فقرروا أن يخرسوك بالعطش
هل أحببت الحياة حد الطيش فانتقمت منك السياسة بجرعة ملح في فمك
لماذا يا تعز
كلما أردت أن تعيشي كباقي المدن أعادوك إلى طابور الانتظار
كلما حاولت أن تبتسمي قطعوا عنك الماء والكهرباء وحتى النكتة
لماذا تعز
لماذا يُطلب منك دائما أن تصبري أن تكابري أن تعيشي بأقل من القليل وكأنك لست المدينة التي كانت تدرّس الحب من على عتبات المدارس
لماذا لأنك رفضت أن تصمتي لأنك أجمل من أن تُكسري
أم لأنك ببساطة تعز
لكن، وبرغم كل هذه الـ لماذا
ما زالت تعز تجيد الابتسام وهي عطشى
تكتب القصيدة من لعاب التعب، وتربي في أزقتها شجرا لا يحتاج إلى ماء، بل يكفيه أن ينمو على ضوء كرامتها
تعز تسأل، نعم تتألم، كثيرا تتذمر أحيانا، وتتقن السخرية حين لا يبقى لها سلاح لكنها لا تستسلم
تعز لا تحتاج إلى من يواسيها، بل إلى من يفهم أن المدن العظيمة قد تمرض، لكنها لا تموت وأن الماء، مهما تأخر، سيأتي
وأن الجرح، مهما كبر، لا يطفئ الحلم إذا كان الحلم اسمه تعز...