بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف
في ظل إعلان البنك المركزي في صنعاء عن إصدار عملة ورقية جديدة من فئة 200 ريال، يتعمق الانقسام النقدي بين المؤسستين الماليتين المتصارعتين في اليمن البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دولياً، والبنك المركزي في صنعاء الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي. ومع تضارب السياسات النقدية بين الطرفين، يصبح الاقتصاد اليمني أكثر هشاشة، والأسواق أكثر اضطراباً، والمواطن أكثر تضرراً.
ما هو الحل؟
الحل الواقعي والفعال يتطلب معالجة سياسية واقتصادية متكاملة، تقوم على النقاط التالية:
أولاً: الوصول إلى اتفاق وطني لتوحيد السياسة النقدية:
تشكيل لجنة اقتصادية وطنية تضم خبراء مستقلين من جميع الأطراف، بإشراف أممي أو إقليمي (مثلاً عبر الأمم المتحدة أو مجلس التعاون الخليجي)، للعمل على توحيد السياسة النقدية والمالية.
اتفاق مشترك على وقف إصدار أي عملة جديدة من أي طرف حتى يتم التوصل إلى رؤية اقتصادية موحدة تعيد الثقة بالريال اليمني.
إعادة بناء البنك المركزي اليمني كمؤسسة وطنية مستقلة عن الصراع السياسي، ومقره الرئيسي في صنعاء أو المكلا أو أي مدينة يتفق عليها الطرفان، لضمان حياديته وفعاليته.
ثانياً: توحيد الأنظمة المصرفية وضمان الرقابة الموحدة:
تطوير نظام مصرفي موحد يعمل على الربط الشبكي بين البنوك التجارية والإسلامية في جميع المحافظات.
إنشاء جهة رقابية مالية محايدة تشرف على تداول النقد، سواء كان ورقياً أو معدنياً، لضمان سلامة النقد وصلاحيته، وضمان العدالة في التعاملات المالية.
ثالثاً: استعادة الثقة بالعملة الوطنية:
وقف الطباعة العشوائية للعملة الورقية في كل من عدن وصنعاء.
ربط الإصدار النقدي بالاحتياطي الفعلي من العملة الأجنبية والذهب، لخلق نوع من الغطاء النقدي الجزئي وتحسين الثقة العامة.
إطلاق حملة وطنية توعوية لشرح أهمية وحدة النقد وتأثير الانقسام النقدي على معيشة المواطن، لاستعادة ثقة الناس بالريال اليمني كعملة موحدة.
رابعاً: ضبط السوق وسعر الصرف:
التدخل الذكي في سوق الصرف من خلال أدوات نقدية موحدة (سقوف السحب، المزادات المنظمة، السيطرة على المضاربات).
إنشاء نظام رقابي إلكتروني مشترك لمتابعة حركة العملة الأجنبية والمحلية، وتقييد التعاملات المشبوهة أو غير النظامية.
خامساً: معالجات انتقالية مرنة:
إقرار مبدأ القبول المتبادل المؤقت للعملات المتداولة بين الطرفين في الأسواق، لتخفيف المعاناة على المواطن، إلى حين التوصل لاتفاق سياسي واقتصادي نهائي.
تثبيت سعر صرف موحد ومقبول وطنياً بإشراف جهة اقتصادية محايدة.
غياب التنسيق بين البنك المركزي في عدن وصنعاء يهدد بانهيار شامل للنظام النقدي في اليمن، ويضاعف من التحديات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، أبرزها: ضعف القوة الشرائية، تضخم الأسعار، وتآكل المدخرات. الحل لا يكون بإصدار المزيد من العملات من كلا الطرفين، بل بإعادة بناء منظومة مالية ونقدية موحدة، تستند إلى الشفافية، والحوكمة، واستقلالية القرار النقدي، بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار النقدي ويهيئ الأرضية لمعالجة اقتصادية شاملة.
إذا لم يتخذ هذا المسار الوطني والاقتصادي الجاد، فستتحول العملة اليمنية إلى أدوات سياسية ورموز انقسام، بدلاً من أن تكون وسيلة موحدة لحياة اقتصادية مستقرة.