آخر تحديث :الجمعة-18 يوليو 2025-02:30ص

أزمات عدن وأولويات الحل

الأربعاء - 16 يوليو 2025 - الساعة 11:56 ص
د.حسين الملعسي

بقلم: د.حسين الملعسي
- ارشيف الكاتب


تعيش مدينة عدن اليوم في ظل بيئة اقتصادية واجتماعية شديدة الهشاشة، تعكس مآلات تراكمات مزمنة من الإهمال المؤسسي، والاختلالات الهيكلية في منظومة الإدارة العامة، إلى جانب تداعيات الحرب والصراع السياسي. وقد تحولت هذه العوامل مجتمعة إلى أزمات متعددة الأوجه، متداخلة التأثير، ومتسارعة التدهور.

في مقدمة هذه الأزمات تبرز أزمة قطاع الكهرباء، التي تمثل تحديًا حرجًا للبنية الاقتصادية والمعيشية على حد سواء. فمع تراجع قدرات الدولة التمويلية، وشح تدفقات النقد الأجنبي، توقفت عمليات استيراد الوقود، كما تعطلت الاستفادة من الخام المحلي، ما أدى إلى تراجع إنتاج الطاقة إلى مستويات لا تتجاوز 4 ساعات تشغيل يوميًا، وهو ما يعطل النشاط الاقتصادي، ويرفع من تكاليف الإنتاج، ويقيد فرص الاستثمار المحلي.

إلى جانب ذلك، تُواجه المحافظة أزمة في توفير الغاز المنزلي وغاز السيارات، نتيجة خلل في سلاسل التوزيع، واستمرار تهريب كميات كبيرة من المخصصات إلى خارج النطاق الجغرافي للمدينة، مما يؤثر سلبًا على الأمن الطاقوي للأسر والمنشآت الصغيرة.

وعلى الصعيد النقدي والمالي، تتعمق أزمة انهيار العملة الوطنية (الريال اليمني) كنتيجة للحرب والأزمة الاقتصادية، وفجوة التمويل الخارجي، وضعف الإيرادات العامة، مما أدى إلى تآكل الدخول الحقيقية للمواطنين. وتفاقم الأمر مع عدم انتظام صرف رواتب الموظفين، الأمر الذي أضعف الطلب المحلي، وساهم في توسع رقعة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

ترافق ذلك مع توقف العملية التعليمية في العديد من المدارس، مما يهدد رأس المال البشري على المدى المتوسط والبعيد، في حين تعاني المنظومة الصحية من ضعف التمويل وغياب التنسيق، ما ساعد في عودة وانتشار الأوبئة، ورفع مستوى المخاطر الصحية في بيئة تفتقر للبنية الوقائية.

اللافت في المشهد هو غياب استراتيجية استجابة فاعلة من قبل السلطات المركزية والمحلية، ما جعل عدن تعاني من فراغ إداري وتخطيط استراتيجي، رغم كونها تمثل مركز ثقل اقتصادي، وبوابة لوجستية مهمة.

إن معالجة هذه الأزمات لا تحتمل المزيد من التأجيل، وتتطلب مقاربة اقتصادية متكاملة قائمة على تحديد أولويات إصلاح عاجلة، تبدأ بإنشاء صندوق استقرار لخدمات الطاقة، وضبط سلاسل الإمداد للغاز والوقود، وتفعيل آليات التنسيق المالي والنقدي بين الحكومة والبنك المركزي، إلى جانب إعادة هيكلة أولويات الإنفاق العام لصالح التعليم والصحة والخدمات الأساسية.

عدن اليوم بحاجة إلى رؤية اقتصادية إنقاذية تُدار بكفاءة عالية، وإرادة سياسية تترجم التحديات إلى حلول قابلة للتنفيذ. فالفجوة لم تعد فقط في الموارد، بل في الإدارة والتخطيط والحوكمة.

د. حسين الملعسي