آخر تحديث :السبت-16 أغسطس 2025-12:06م

مقارنة بسيطة بين النثر الأدبي والعلمي لنستزيد من الفهم والمعرفة

الأربعاء - 16 يوليو 2025 - الساعة 09:47 م
علوي سلمان

بقلم: علوي سلمان
- ارشيف الكاتب


النثر الأدبي والعلمي رحلة بين الوجدان والعقل، والجمال والحقيقة


في عالم الكتابة الواسع، تتشعب الأساليب وتتنوع الأهداف، لكن يظل النثر هو القاسم المشترك الذي يجمع بين أشكال لا حصر لها من التعبير المكتوب. وبينما يتشارك النص النثري الأدبي والنص النثري العلمي في كونهما كتابة حرة لا تلتزم بوزن أو قافية، إلا أن المسارات التي يسلكانها، والأغراض التي يسعيان لتحقيقها، تختلف اختلافًا جوهريًا. إن فهم هذه الفروقات ليس مجرد تمرين أكاديمي، بل هو مفتاح لتقدير كل نوع على حدة، وإدراك القيمة الفريدة التي يضيفها إلى نسيج المعرفة والثقافة الإنسانية.


النثر الأدبي: سيمفونية الروح وتجسيد التجربة الإنسانية


النص النثري الأدبي هو ذلك العالم الساحر الذي تتراقص فيه الكلمات لتنسج لوحات من المشاعر والتجارب الإنسانية بكل تعقيداتها. هدفه الأساسي ليس مجرد نقل معلومة، بل إثارة الوجدان، والتأثير في أحاسيس القارئ، وجعله يعيش تفاصيل القصة، أو يتأمل في عمق التجربة المطروحة، أو يتفاعل مع جمال اللغة نفسها. هنا، تكون اللغة هي بطلة الرواية؛ فهي غنية، مجازية، شاعرية، مليئة بالصور الحسية والاستعارات والتشبيهات والكنايات التي ترسم في ذهن القارئ عوالم متخيلة، أو تعيد تشكيل إدراكه للواقع، أو تلامس أوتارًا خفية في روحه.


يركز النص الأدبي على القصص والشخصيات والأحداث، ويستكشف تعقيدات النفس البشرية، من فرح وحزن، حب وكراهية، صراع داخلي وخارجي، علاقات إنسانية متشابكة. قد يتطرق إلى أفكار فلسفية أو قضايا وجودية، لكنه يفعل ذلك من خلال تجسيدها في سياق إنساني ملموس، عبر حوارات الشخصيات، أو تأملاتهم، أو حتى من خلال وصف مشهد يثير فكرة معينة. الأسلوب هنا يولي اهتمامًا كبيرًا للإيقاع الداخلي، للتدفق الموسيقي للجمل والفقرات، وللتأثير الجمالي الذي تتركه الكلمات، حتى لو لم تكن مقيدة بوزن وقافية. الذاتية غالبًا ما تكون حاضرة، حيث يعكس النص صوت الكاتب ومشاعره وتأملاته الشخصية، وقد يسمح بتفسيرات متعددة للمعنى، مما يفتح الباب أمام تفاعل القارئ وتأويله الخاص. الجمهور المستهدف هو عامة القراء، المهتمون بالأدب والفن، والباحثون عن المتعة الفكرية والجمالية.


النثر العلمي: بوصلة العقل نحو الحقيقة الموضوعية


على النقيض من ذلك، يمثل النص النثري العلمي رحلة للعقل، هدفها استكشاف الحقائق والمعرفة العلمية وتحليلها بعمق ودقة. هنا، تكون الغاية هي نقل المعلومات والحقائق بشكل موضوعي، وشرح وتفسير الظواهر والنظريات والنتائج العلمية، والإقناع المنطقي بناءً على الأدلة والبراهين. اللغة في النص العلمي تميل إلى الدقة والوضوح والمباشرة، لتجنب أي لبس أو سوء فهم، وتستخدم مصطلحات علمية متخصصة بدقة ووضوح. يتجنب النص العلمي المشاعر الشخصية والآراء الذاتية، ويركز على الحقائق المثبتة، والأدلة، والملاحظات الموثقة.


يركز المحتوى على البيانات، النتائج التجريبية، النظريات، المفاهيم العلمية، المنهجيات البحثية، والتحليلات الإحصائية. يتناول الظواهر الطبيعية، الاجتماعية، أو التكنولوجية من منظور علمي بحت. البنية غالبًا ما تكون منظمة ومنهجية للغاية، تتبع هيكلًا محددًا (مثل: مقدمة، منهجية، نتائج، مناقشة، خاتمة)، وتعتمد على التسلسل المنطقي للأفكار والحجج، مع الاستدلال والبرهنة. استخدام المراجع والتوثيق لدعم المعلومات هو سمة أساسية، لضمان المصداقية والشفافية. الجمهور المستهدف هم العلماء، الباحثون، الطلاب، المتخصصون في مجال معين، أو عامة الناس المهتمون بالمعرفة العلمية (في حالة المقالات العلمية المبسطة).


التمييز الجوهري: القلب مقابل العقل، والجمال مقابل الحقيقة


يكمن الفرق الجوهري بين هذين النوعين في الغاية النهائية التي يسعى كل منهما لتحقيقها. النص الأدبي يسعى إلى التأثير الوجداني والجمالي من خلال اللغة والتصوير، ليلامس القلب والروح ويستثير المشاعر. بينما النص العلمي يسعى إلى نقل المعرفة والحقائق بشكل دقيق وموضوعي من خلال المنطق والبرهان، ليخاطب العقل والمنطق. الأول يهدف إلى "إظهار" أو "تصوير" التجربة الإنسانية، والثاني يهدف إلى "تحليل" أو "تفسير" أو "البرهنة" على حقائق علمية.


لا يعني هذا الفصل التام بين النوعين. فالنصوص الأدبية العظيمة غالبًا ما تحمل أبعادًا فلسفية عميقة، وتستكشف قضايا الوجود والمعنى من خلال قصصها وشخصياتها. وبالمثل، يمكن للنصوص الفلسفية أن تُكتب بأسلوب أدبي رفيع، يجعلها ممتعة ومؤثرة. لكن التمييز يظل قائمًا في الوظيفة الغالبة للنص؛ هل هو للجمال والتأثير الوجداني، أم هو للعلم والمعرفة الدقيقة؟ كلاهما يثري تجربتنا الإنسانية، لكن بطرق مختلفة ومتكاملة، كلٌ في مجاله.


علوي سلمان