آخر تحديث :Sat-16 Aug 2025-01:31AM

على درب الذكريات في رحاب الكلية العسكرية وصلاح الدين

الثلاثاء - 22 يوليو 2025 - الساعة 02:51 م
العميد زين الشيبة

بقلم: العميد زين الشيبة
- ارشيف الكاتب



في الصباح الباكر من يوم أمس، الموافق 20 يوليو 2025م، رنّ هاتفي وأنا في فندق الصرح الذهبي، فكان الصوت عذبًا، مليئًا بالمحبة، يوقظ القلب بكلمة "صباح الخير". وما إن خرجت من بوابة الفندق، حتى وجدت كوكبة من الشباب الأوفياء في انتظاري، يتقدمهم الشابان المتألقان علي حسين الصوبي وزميله أحمد يسلم ناصر، وثلة من زملائهم الطلاب أنطلقنا معا على سيارتهم باتجاه حنين الذكريات إلى معسكر صلاح الدين الصرح الذي قضيت أجمل أيامي في الحياة العسكرية بعنفوانها وانضباطها بحلوها ومرها .

لم أستطع أن أرفض دعوة قلوب صافية ونوايا نقية. فهزني الشوق، وألهبتني الذكريات. مضيت معهم إلى حيث ينبوع الذكريات، إلى مدرسة الرجولة والجندية وفنون القتال، إلى صرح الكلية العسكرية ومدرسة القادة والأركان.

وفي الطريق، عاد شريط الذكريات إلى ذهني يرسم على ذاكرتي مشاهد ومقاطع متلاحقة من ذلك الزمن الجميل . انتظارنا الصباحي للحافلة التي تقلنا ببزاتنا وهندامنا العسكري مرورنا بجسر البريقة، منظر المصفاة التي كانت تعج بالحياة ليلاً ونهارًا... وهاهيى اليوم، أضحت أطلالًا عليها ينعق غراب البين وهي التي كانت تمثل رمزا اقتصاديا عملاقا في الشرق الأوسط كافة فكم هو مؤلم جدا أن ترى صرحا اقتصاديًا تهاوى وفي طريقه التلاشي والاضمحلال .

حين وصلنا إلى معهد تأهيل القادة، استقبلتنا أسواره المضيئة وقد شيدناه بعرقنا، وجهدنا، وذكرياتنا. ذلك المكان الذي خط على أسواره وعلت من حناجر قادة المستقبل شعارًا خالدًا مازال يتردد صداه

"قطرة عرق في التدريب توفر قطرة دم في المعركة"

وفي صلاح الدين التقينا بمن لا تزال أعمارهم مديدة ونفوسهم معطاءة، ممن ما زالوا ينضحون معرفةً ويتوقدون حزمًا وعزمًا وشدة وتذكرنا من قضوا نحبهم رحمة الله عليهم أحياء وفي جنات الخلد إن شاء الله صنعوا مجدًا وفكرًا علميًا وعسكريًا لا يُنسى.


جولتنا بدأت بقيادة المعهد، التي استقبلتنا بقلوب مفعمة بالمحبة والتقدير وصدى الذكريات العطرة فكان اللقاء وكان العناق لرفاق السلاح . ثم تجولنا في الصفوف الدراسية، ورأينا الضباط يدرسون في الفصول والمعلمين يؤدون واجبهم بكل تفانٍ وإتقان بينما الطلاب منهمكين في أداء امتحاناتهم بانضباط واحترام، يقدم كل طالب نفسه بالتحية العسكرية واسم المتقدِّم . مشهد يبعث في النفس الأمل، ويوقظ الرجاء في أن الغد سيكون لامحالة أفضل… إن توفرت الإرادة والدعم.

لكن، للأسف، تظهر المفارقات الصادمة حين تلمس الواقع المعيشي المعوج . المعلم في . معهد تأهيل القادة، هذا الركن الأهم في العملية التعليمية، يتقاضى راتبًا يتراوح بين 140 إلى 200 ألف ريال يمني وعلاوة تدريس من 100 إلى 150 ألف ريال فقط بينما الطالب – وفق ما ذُكر – يتقاضى راتبه بالريال السعودي بأضعاف مضاعفه عن راتب معلمه وقائده

أي منطق هذا؟

أي معادلة رياضية أو قاعدة فيزيائية مختلة يمكن أن تبرّر ذلك؟

بل أي لغة في العالم يمكنها أن تفسر هذه المفارقة الغريبة؟

إنها ببساطة فضيحة بميزان العقل والعدالة.

وإن كنا نوجّه اللوم للتحالف أو قيادة البلاد، فإننا كذلك نوجهه للمجلس الانتقالي، الذي تبنّى احياء هذا المعهد، لكنه لم يتبنَّ العقول المحركة له.

فنقولها صراحةً راجع حسابك حبيبي!!

نعم، إذا كنتم قد تبنيتم إعادة الصرح، فلابد من أن تتبنوا الإنسان الذي يحييه ويضيئة لابل ويمنحه روحه.

وبهذه المناسبة، نوجه هذه الرسائل العاجلة لمن يهمه الأمر:

1. أعيدوا النظر في وضع المعلم بمعهد تأهيل القادة .

سَاووا رواتب المعلم براتب الطالب على أقل تقدير رغم أن هذا خارج حسابات العقل والمنطق . واستمرار هذا الوضع هو وصمة عار.

2. اهتموا بتغذية الطالب والمعلم معا

ثلاث وجبات يوميًا تليق بمن يحمل عبء الوطن والسلاح

3. طوروا البنية التحتية التدريبية.

من ميدان تدريب، ومكتبة عسكرية غنية بالمراجع والوسائل.

4. وفّروا البدلاتالعسكرية الموحدة التي تمثل

لباسا مميزا يرفع من هيبة الطالب وشعوره بالانتماء إلى جيش البلاد وحامي العباد

5. ضعوا هيكلًا مؤسسيًا للمعهد.حددوا الدرجة العلمية لشهادته، وافتحوا أمامه أبواب الاعتراف الأكاديمي.

هذه مجرد خواطر، لكنها صادقة من قلب ضابط كان يوما هنا يعرف ماذا تعني "العرق" و"الدم" في ميدان العز والشرف.

وغدًا، نكتب انطباعنا عن مستشفى الصداقة العسكري، الذي زرناه والتقينا فيه بمن أفنوا أعمارهم في خدمة الطلاب والعسكر، وتركوا بصمات لا تُنسى.