في زمنٍ تزدحم فيه الأصوات الزائفة وتتوارى الحقائق خلف ستائر التطبيل، يظهر خطر أكبر من الفساد نفسه: تلميع الفاسد والمشاركة في صناعة صورته المجيدة. تلك الأفعال لا تنتمي إلى دائرة الحياد، بل هي مساهمة مباشرة في ترسيخ الظلم، وإضفاء شرعية زائفة على الفساد، حتى يصبح السحت رزقاً، والخيانة راياً يُصفق له.
إن تبرير الفساد أو الترويج له، سواء تحت راية المصلحة أو الخوف، هو خيانة للقيم والأمانة التي أوكلها المجتمع لكل إنسان حر. المواقف النزيهة والكلمات الصادقة، حتى وإن كلفت أصحابها كثيراً، هي وحدها التي تبني الأوطان وتفتح أبواب العدالة. فالشعوب لا تنهض ببطانة تُخفي الحقائق، بل ترتقي برجال ونساء لا يهابون قول الحق، ولا يبيعون كرامتهم بثمن بخس.
من يخشى قول الحقيقة، يخشى ضميره. والضمير، ذاك القاضي الذي لا يُشترى، ولا يُسكَت، هو الحاكم العادل الذي لا يعرف المجاملة. قد يسكت الجميع، لكن الضمير يظل صوتاً لا يرحم من اختار طريق التطبيل على حساب قيمه.
الكرامة لا تُشترى، لأنها ليست سلعة تُعرض في مزاد النفوس المساومة. والحق، وإن ظل وحده، أقوى من جيوش من الباطل المزخرف.
فلنختر أن نكون في صف الكلمة الشريفة، والموقف النزيه، لأن في ذلك ما يُخلدنا في الذاكرة النقية لشعوب لا تنسى من كان صوتها الحقيقي.