أقرب الدول إلى غزة أكثرها صمتاً والحدود التي كان يُفترض بها أن تكون أبوابًا للغوث، صارت جدرانًا من الخذلان. تُفتح للمصورين وتُغلق في وجه الخبز. تمر منها المؤتمرات ولا تمر منها قوافل النجاة.غزة ليست فقط تحت الاحتلال، إنها اليوم ضحية تخاذل عربي مرير كأنها لم تكن يوماً عربية. يموت أطفالها جوعاً، ونحن نفاوض على حجم المساعدات.يموت رجالها عطشاً، ونحن نقرأ البيان الختامي تهدم بيوتها، ونحن نبني قاعات مؤتمرات.غزة وحدها تقاتل، تموت، وتنتظرنا دون أن نأتي.فهل تبكي الحجر؟ نعم، بل تُبكي حتى الحديد.وإن كانت الجدران لا تبكي، فإن صمتها أمام وجع غزة أشبه بخيانة كبرى. وكأننا جميعًا تواطأنا بصمتنا، بتقاعسنا، بتفضيلنا الخطابة على الفعل.
يا لغزة! ما أقسى أن تكوني محاصَرة لا من عدوك وحده، بل من جيرانك وأهلك، ممن يزعمون الأخوة والدين والدم! تُحاصر من البحر والبر والجو، ويُغلق معبر الحياة الوحيد في وجهك، لا لأن قُدرتك على التنفس تُهدد أمنًا قوميًّا، بل لأنك مزعجة في صمودك، مُربكة في نزفك، صارخة بما لا يريدون سماعه.إنها غزة، التي ما عاد يكفيها الدعاء، ولا يحتمل وجعها الشجب والتنديد. غزة التي تفتش في التراب عن حبة قمح، وفي السماء عن قطرة ماء، وفي وجوه العابرين عن نخوة، فلا تجد غير الغياب. تُرمى لها المساعدات جوًّا كما تُرمى للكلاب، دون شفقة أو كرامة، وكأن إنسانها أرخص من الهواء.
وأخيراً غزة لا تموت وحدها بل تموت معها نخوتنا رجولتنا،وعقيدتنا تموت فيها القيم،وتُذبح على أبوابها العروبة، وتُسفك دماء الطفولة أمام عيون تتدثّر بالصمت والخنوع.فهل بقي فينا حيّ؟ هل بقي في هذا الركام الضمير العربي مكان لصوت الحق؟ أم أن غزة ستُترك لتفنى جوعًا كما تُنسى الأضرحة بعد المطر؟غزة اليوم بحاجة إلى من يُمسك بيدها، لا من يضعها في مقعد المتفرجين. فإما أن نكون معها بكل ما نملك، أو نعترف أننا تركناها للموت، بينما نعيش في صمت مريح فاللهم كن لغزة وأهلها معينًا ونصيرًا،وكن لهم سندًا إذا خذلهم العالم،ورفيقًا إذا أوصدت الأبواب اللهم إن أهل غزة مظلومون فانتصر لهم، ومقهورون فاجبرهم ومتعبون فآوِهم بلطفك اللهم آمين.