آخر تحديث :السبت-16 أغسطس 2025-12:06م

الفوضى والسياسة علاقة العداوة والتغيير

الخميس - 31 يوليو 2025 - الساعة 06:53 م
علوي سلمان

بقلم: علوي سلمان
- ارشيف الكاتب


في مسرح الحياة السياسية، حيث تتشابك المصائر وتتصارع الرؤى، غالبًا ما تُنظر إلى الفوضى على أنها العدو اللدود للنظام، والتهديد الأكبر للاستقرار. لكن العلاقة بينهما ليست دائمًا علاقة خصومة مطلقة، بل هي رقصة معقدة على حافة الهاوية، حيث يمكن للفوضى أن تكون أحيانًا شرارة التغيير، أو نتيجة حتمية لسياسات أدارت ظهرها للشعب، أو حتى أداة تُستخدم ببراعة لتحقيق أهداف سياسية خفية. إنها علاقة جدلية، تتشابك فيها خيوط القوة والضعف، الأمل واليأس، النظام والانهيار.


عندما تخفق السياسات في نسج خيوط العدالة الاجتماعية، أو عندما تتآكل أركان الأنظمة بفعل الفساد المستشري، أو حينما تُكمّم الأفواه وتُسلب الحريات، فإن الفوضى غالبًا ما تكون النتيجة الحتمية لهذا الانهيار. إنها ليست هدفًا بحد ذاتها، بل هي صرخة الأرض التي ترفض أن تُداس، وتعبر عن انهيار الثقة في المؤسسات التي فشلت في توفير الإطار الذي يحمي الحقوق ويحقق التطلعات. في هذه الحالات، تصبح الفوضى مرآة تعكس فشل السياسة في احتواء التوترات، وتلبية احتياجات المواطنين، مما يدفع بالمجتمع نحو حافة الهاوية. إنها حالة من التفكك الاجتماعي والسياسي، حيث تتلاشى القوانين وتنتشر الفوضى كالنار في الهشيم، لتكشف عن عمق الأزمة التي تعيشها الدولة.


في بعض الأحيان، تُستخدم الفوضى كأداة سياسية بارعة، وإن كانت خطيرة. يمكن للجماعات التي تسعى لإحداث تغيير جذري أن تستغل حالة عدم الاستقرار لخلق فراغ في السلطة، أو لزعزعة استقرار الأنظمة القائمة، بهدف فرض رؤيتها الخاصة. كما يمكن للقوى الخارجية أن تغذي الفوضى في دول أخرى لزعزعة استقرارها أو التدخل في شؤونها. هنا، تصبح الفوضى سلاحًا مدروسًا، وإن كانت عواقبها الوخيمة غالبًا ما تتجاوز أهداف من استخدمها، لتلتهم الجميع في دوامة لا يمكن السيطرة عليها. إنها لعبة خطرة، حيث يُستخدم الانهيار كأداة، وغالبًا ما يكون الثمن هو دماء الأبرياء وتدمير ما تم بناؤه عبر الأجيال.


على الرغم من طبيعتها المدمرة، يمكن للفوضى أن تكون أحيانًا الشرارة التي تشعل فتيل التغيير الإيجابي. عندما يصل النظام إلى طريق مسدود، وتصبح الحلول التقليدية عاجزة، قد تفتح الفوضى الباب أمام إعادة التفكير في الهياكل القائمة، وإعادة بناء المجتمع على أسس جديدة. الثورات، التي غالبًا ما تولد في رحم الفوضى، قد تؤدي إلى تحولات جذرية في الأنظمة السياسية والاجتماعية، وإن كان الطريق إلى الاستقرار الجديد غالبًا ما يكون محفوفًا بالمخاطر والتحديات. ففي خضم الفوضى، قد تظهر قوى جديدة، ورؤى مختلفة، وفرص لإعادة تشكيل الواقع، لكن هذا يتطلب قيادة حكيمة وقدرة على توجيه طاقة الفوضى نحو بناء لا هدم.


السياسة، في جوهرها، هي محاولة لتنظيم المجتمع، وتوزيع السلطة، وحل النزاعات سلميًا. النظام السياسي الفعال هو الذي ينجح في احتواء التوترات، وتلبية الاحتياجات، وتوفير إطار للتعايش. لكن السياسة الفاشلة، أو السياسة التي تعتمد على القمع والإقصاء، هي التي تخلق بيئة خصبة لنمو الفوضى. فالسياسة التي لا تستمع إلى صوت الشعب، ولا تعالج أسباب السخط، هي سياسة تدفع المجتمع نحو حافة الهاوية، وتصبح هي نفسها صانعة الفوضى التي تدعي محاربتها. إن السياسة التي تفتقر إلى الحكمة والمرونة والقدرة على التكيف هي سياسة محكوم عليها بالفشل، وغالبًا ما تقود إلى الفوضى التي تدعي مقاومتها.


العلاقة بين الفوضى والسياسة هي رقصة معقدة على حافة الهاوية. الفوضى يمكن أن تكون نتيجة لفشل السياسة، أو أداة تُستخدم في الصراع، أو حتى شرارة للتغيير. والسياسة، بدورها، يمكن أن تكون حصنًا ضد الفوضى، أو سببًا مباشرًا في إثارتها. إن فهم هذه العلاقة المعقدة ضروري لفهم طبيعة المجتمعات والدول، وللبحث عن سبل بناء أنظمة سياسية مستقرة وعادلة، قادرة على احتواء التنوع، وتلبية تطلعات الشعوب، وتجنب الوقوع في فخ الفوضى المدمرة، بل واستيعاب التغيير الذي قد تنبثق عنه.


علوي سلمان