في خطوة تنمّ عن إصرار حقيقي على استعادة الاستقرار المالي وتعزيز مؤسسات الدولة الشرعية، انعقد في الرياض لقاء هام جمع بين ممثلي البنك المركزي اليمني – المركز الرئيسي في عدن – ووزارة الخزانة الأمريكية، في ظل اهتمام دولي متزايد بدعم جهود إعادة بناء النظام المالي اليمني وتفعيل دوره في خدمة الاقتصاد الوطني. هذا اللقاء لم يكن حدثًا عابرًا في سجل اللقاءات الدبلوماسية، بل هو إعلان رسمي واعتراف واضح بشرعية البنك المركزي في عدن كمؤسسة وحيدة مسؤولة عن السياسة النقدية في البلاد، في مقابل إضعاف الكيانات المالية الموازية التي تدير شؤونها من خارج إطار الشرعية.
وقد عبّر اللقاء عن توجه دولي صريح يسعى إلى تعزيز التكامل بين البنوك اليمنية والبنوك المراسلة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما يمثل شريان حياة حيوي يدعم حركة النقد ويوفر بيئة آمنة للتحويلات المالية، بما يعزز الانفتاح المالي لليمن ويدعم جهود الإصلاح الاقتصادي. ومن خلال مشاركة كافة البنوك اليمنية، بما في ذلك تلك التي انتقلت من مناطق أخرى إلى عدن، بدا المشهد وكأنه إعلان بداية نظام مالي موحد يعيد ترتيب العلاقة بين الداخل والخارج، ويُعزّز ثقة المواطن في مؤسسات بلاده.
في الوقت ذاته، اتخذ البنك المركزي في عدن سلسلة إجراءات تنظيمية وإصلاحية تمثلت في تنظيم سوق الصرف، ومكافحة المضاربات العشوائية، وتعزيز الرقابة على قطاع الصرافة، ما أسهم في تحسن نسبي في قيمة العملة الوطنية وتراجع أسعار بعض السلع في المناطق التي تخضع لسلطة الحكومة الشرعية.
ومع ذلك، لا تزال تحديات جسيمة تواجه هذه التحولات، خاصة على مستوى الواقع الميداني. إذ أن سوق الصرافة، وبخاصة بعض المحال التي تعمل خارج الإطار التنظيمي، تواصل فرض أسعار صرف مرتفعة تعيق انتقال أثر تحسن العملة الرسمية إلى المواطن العادي، مما يرسّخ فجوة واضحة بين السياسات الرسمية والتطبيقات العملية.
ولا يمكن فصل هذه الجهود عن السياق السياسي الأوسع، حيث تتواصل محاولات بعض الجهات المسلحة التي تدير موارد مالية موازيّة خارج إطار الدولة، ما يشكل تهديدًا لاستقرار الاقتصاد ويزيد من تعقيد المهمة الوطنية في بناء مؤسسات مالية متماسكة وشفافة. في هذا الإطار، يشكل الدعم الدولي للبنك المركزي في عدن، مع تأكيد الالتزام بالعقوبات المالية على الجهات الخارجة عن القانون، خطوة استراتيجية في طريق تعزيز الدولة والحد من نفوذ الميليشيات.
يبقى المواطن اليمني هو المحك الحقيقي لهذه الجهود، إذ إن أي تحسن حقيقي في الأداء المالي يجب أن ينعكس إيجابًا على حياته اليومية، في الأسعار، وسهولة تحويل الأموال، وقدرته على تلبية احتياجاته دون العناء أو الخوف من المضاربات السوقية.
في نهاية المطاف، يمثل لقاء الرياض خطوة نوعية على طريق طويل من التحديات، يتطلب تضافر الجهود السياسية والاقتصادية، والتزامًا وطنيًا حقيقيًا لإنجاح الإصلاحات، وضمان أن تكون الدولة والمؤسسات في خدمة الشعب، لا أدوات للنزاعات والانقسامات. وهذا هو السبيل الوحيد لإعادة بناء الوطن، واستعادة أمنه واستقراره المالي.