يؤلمني كثيرًا وضع الصديق عبدالعالم حيدرة الحميدي .
حاولت ألا أقلق عليه، وألا أتفاعل مع ما يُنشر عنه، على أمل أن يمنّ الله عليه بلطفه وينعم عليه بالصحة والعافية.
لكن منشورات الأصدقاء من القاهرة تتوالى على "فيسبوك"، ورسائله لي توقد في القلب جمرة، تنزع عني كل محاولة للتفاؤل أو حتى للهروب إلى طمأنينة زائفة.
عبدالعالم ينتمي إلى عائلة صحفية مرموقة، لطالما عُرفت بمواقفها المعارضة للنظام حتى النخاع، لكنه اختار، على خلاف إخوته، أن يعمل في أكبر الصحف الرسمية.
ذلك الاختيار منحه بعض الامتيازات، وكثيرًا من النفوذ.
وفي لحظة مفصلية من عمر النظام عام 2011، قرر عبدالعالم أن يثور مع الشباب في الساحات، في خطوة راديكالية أول ضحاياها كان هو نفسه، حين فرّط في امتيازاته ومصالحه.
لكن، وقبل أن يحصد الثوار ثمار تضحياتهم، أو يُمنح أحدهم فرصة الحصاد، انقلب عبدالعالم على تلك الثورة، واصطحب عددًا من رفاقه إلى عدن، ليعلن من ساحة الشهداء في المنصورة اصطفافه الجديد.
وحين انتقلت القيادة السياسية إلى عدن، وبدأت جهود التحرير، ساند عبدالعالم تلك الجهود في مواجهة الميليشيات. لكنه بعد التحرير، صار صوتًا مخالفًا لرفاقه السابقين، ومعارضًا للوضع في المناطق المحررة.
وفي خضم الصراعات الأمنية بين القيادات الجنوبية، قرر صاحبنا أن يؤيد — كما يصفهم هو — "البدو"، ويهاجم حلفاءهم من "الإخوان" في نفس الوقت، وبالطبع لم ينسَ أن يهاجم اعداءهم أيضًا "أهله" -كما يسميهم-.
عبدالعالم، رغم قدرته الاستثنائية على الكتابة، وعقليته المنفتحة، إلا أنه يملك ضمير "ابن كلب". ضمير لا يترك له طريقًا للربح، لا كثائرٍ يواصل نضاله حتى يحقق اهدافه ، ولا كانتهازي يتسلل إلى السلطة للبحث عن مكاسب شخصية.
ومع ذلك، فهو شخص نبيل، وإنسان كريم، وقلم رشيق، لا يكتب إلا ليخلّد كل حرف في الذاكرة، سواء اتفقنا مع ما يكتبه أم اختلفنا.
اليوم، لا يجني الحميدي فقط نتائج اختياراته، بل أيضًا ثمار سنوات من الإجهاد، على جسد أنهكته الأمراض المزمنة والمشاكل الصحية الوراثية.
في أحد مشافي القاهرة، يحيط به أصدقاؤه فقط، وهو في أمسّ الحاجة لمن يمد له يد العون.
أما أنا، فلا أملك له سوى هذه الكلمات، التي أخّرت كتابتها كثيرًا، على أمل أن أتمكن من تقديم شيء أكثر نفعًا.
يا صديقي... هذه بضاعتنا نحن أرباب الكلمة، نكرم بعضنا بالمقالات والمنشورات، ثم نأكلها أو نبلها ونشرب ماءها.
وفي النهاية، لا يبقى معنا سوى ذلك الضمير الـ"ابن كلب"، الذي لا نكتشف وجوده إلا ونحن على سرير المرض، حين لا نجد من يدفع عنا ثمن الدواء.