أن تتصدر صورتك وحكايتك الصفحة الأولى في صحيفة عريقة بحجم الجارديان، فهذا ليس مجرد إنجاز شخصي، بل شهادة دولية على أن الكلمة الصادقة ما زالت قادرة على اختراق جدران الصمت، حتى في بلدٍ يضيق بالصحفيين والأقلام الحرة.
الجارديان عنونت قصتها: “سائقي الشاحنات، والأطباء، والخبازون: يمنيون عاديون يلجؤون إلى صحفي مخضرم عندما تفشل العدالة”. عنوان يلخص المعادلة التي صنعها فتحي بن لزرق طوال سنوات عمله: أن يكون الصحفي مرجعاً للفقراء والمظلومين، لا صدى لأصحاب النفوذ.
هذا التكريم الصحفي لم يأتِ من فراغ؛ فهو ثمرة الثقة التي منحه إياها الناس المقهورة، والتي شكلت له سنداً في مواجهة قوى البطش والفساد. في بلد مليء بالمخاطر، بقي فتحي في الداخل، جنباً إلى جنب مع المواطنين، يتقاسم معهم الخبز والخوف، ويناصرهم بما استطاع من قلم وجرأة.
وفي الآونة الأخيرة، لعب بن لزرق دوراً محورياً في كشف قضايا الفساد، والدفاع عن ضحايا الانتهاكات، وفتح ملفات مسكوت عنها هزّت الرأي العام. أصبح صوته منصةً للمهمشين، وجسراً يربط معاناتهم بوعي المجتمع المحلي والدولي، مثبتاً أن الصحافة ليست مهنة الحياد البارد، بل ميدان للنضال من أجل العدالة.
نجح كثيراً، وأخفق أحياناً، لكنه ظل وفياً للوعد والعهد: أن يبقى إلى جانب كل الناس، حتى تتعافى اليمن، وتشرق شمس الدولة، وتختفي المظالم من شوارعها.
إنه درسٌ في أن الصحافة الحقيقية لا تُقاس بعدد الجوائز ولا بعدد المتابعين، بل بقدرتها على أن تكون بيتاً آمناً لآلام الناس وآمالهم، وأن تكتب باسمهم لا باسم السلطة.
اللواء الركن : سعيد محمد الحريري