آخر تحديث :الأحد-19 أكتوبر 2025-12:56م

اليوم العالمي للإنسانية: شهادة من قلب اليمن

الثلاثاء - 19 أغسطس 2025 - الساعة 04:11 م
علي عبدالإله سلام

بقلم: علي عبدالإله سلام
- ارشيف الكاتب


في كل صباح أستيقظ محمّلاً بذاكرة لا تهدأ، ذاكرة مثقلة بالصور والوجوه والنداءات التي لم تجد جوابًا. خبرتي الطويلة في العمل الإنساني لم تكن مجرّد وظيفة، بل كانت رحلة شاقة في قلب الألم اليمني؛ رحلة عرّفتني على وجوه الأطفال الذين تقاسمت معهم الخبز اليابس، وعلى أمهات كنّ يخبئن دموعهن خلف ابتسامة متعبة، رحلة بدأت من قرى أبين والضالع المجروحة وأنتهت في معالم مأرب وحجة المخطوفة ..كان هناك شيوخ ما زالوا يؤمنون أن السلام آتٍ، رغم أن رصاص الحرب قد خطف منهم كل شيء.

اليمن، هذا الوطن الذي كان يومًا مهدًا للحضارة، صار ساحة اختبار لقسوة الجوع والحصار والخذلان. لا بيت إلا وقد طرقه الحزن، ولا مدينة إلا وخلّفت الحرب على جدرانها وشوارعها آثار الوجع. ومع ذلك، ظل الإنسان اليمني شامخًا، يقاوم بفتات الأمل، ويستنهض ما تبقى في داخله من حياة.

في كل هذه الفصول القاسية، كانت المنظمات الإنسانية هي الشعاع الذي اخترق ظلمة الواقع. في أصعب اللحظات، حين ضاقت الأرض بأهلها، مدّت هذه المنظمات يدها لتقول: لسنا وحدنا. كانوا يوزّعون الغذاء، يقدّمون الدواء، يفتحون نوافذ جديدة للحياة في وجوه كانت على حافة الانكسار. ورغم أن التحديات أكبر من إمكاناتهم، إلا أن وجودهم كان كفيلًا بأن يذكّرنا بأن التضامن الإنساني لا يزال حيًا.

لكن، وسط هذا العمل النبيل، لم يَسلم زملاؤنا من قيود البطش والاعتقال. في صنعاء وعدن ومأرب وتعز، اعتُقل رفاق الدرب الذين كرّسوا حياتهم لخدمة الآخرين. لم يحملوا سلاحًا، لم يرفعوا شعارًا سوى شعار الإنسانية، ومع ذلك حُرموا من حريتهم، فقط لأنهم اختاروا أن يقفوا في صف الإنسان. هؤلاء الزملاء لا يزالون في الذاكرة حاضرِين؛ وجوههم لا تغيب، أصواتهم لا تخفت، ومبادئهم تظل نبراسًا لكل من واصل المسير.

إنها رحلة بين الألم والأمل، بين الظلام والنور، بين من يريد أن يطفئ الحياة ومن يحاول أن يشعل شمعة في عتمة اليمن. خبرتي الطويلة لم تعلّمني فقط أن أقدّم المساعدة، بل أن أكون شاهدًا على صمود هذا الشعب، وعلى جمال إنسانيته رغم كل الجراح.

وفي النهاية، يبقى السؤال معلقًا في سماء اليمن: إلى متى سيظل الإنسان يُعاقَب لأنه تمسّك بإنسانيته؟


كل عام والإنسانية تعم اليمن