حقيقة، لم أتناول الحديث في هذا الموضوع لحداثته فهو قديم بقدم الحركات الإسلامية في اليمن عامة، أنما تناولته لأن أحداً لم يتناوله في نقاشاته واستقراءاته في المنطقة.
ما دفعني للحديث هو ملاحظة انخراط نوابغ الطلاب في التيارات الإسلامية وهذا يعد من العوامل المؤثرة في تحديد مطامح الطلاب وتطلعاتهم.
لست هنا بصدد الخلاف مع العلوم الإسلامية ومبادئها كونها تعد الأساس والمرجع الرئيسي للأمة الإسلامية. وجميل أن ترى مدينتك تزهر فيها تلك العلوم التي تحيي الروح المجتمعية دينياً، فتبني مجتمعاً زاخراً بالحافظين كتاب الله المبلغين سنة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.
لكن عندما ضرب المشهد على وتر حساس كان لا بد من الإفصاح والكتابة بدوافع إنسانية ووطنية محضة. لا ينبغي أن تتسابق جميع التيارات الإسلامية في استقطاب الشباب وتوجيههم لنيل الألقاب والمسميات: "الداعية فلان والخطيب علان".
كما أن تضييق وحصر تطلعات النشء كأن يصير إماماً أو خطيباً لأحد المساجد في دول الخليج لا يعد إنجازاً بل هو أمراً لا يبتعد كثيراً عن ظاهرة المتاجرة بالدين.
إني كمعلم في ثانوية جواس والتي تضم عشراً من المدارس الأساسية من مختلف القرى في مدينة مودية، أستقبل في كل عام ما يزيد عن مائتي طالب، وأعمل جاهداً لاكتشاف الطلاب النوابغ و معرفة ميولهم واهتماماتهم الأدبية والعلمية؛ فأسعى لترشيد وتوجيه مسارهم لثقافي والمهني والشخصي وحثهم للتغلب على مصاعب وتحديات الوضع الحالي.
ومن خلال تتبعي وجدت أن الاهتمامات والميول المهيمنة على عقليات الأذكياء والنوابغ من طلابي هي أن يبلغوا منزلة الداعية والخطيب المؤثر؛ فأراهم مبتعدين عن فكرة مواصلة التعليم العالي، ضاربين عرض الحائط بجميع التخصصات العلمية والمهنية في مجالات الحياة وعاجزبن كل العجز عن تبني أو تقديم فكرة أو مشروعاً مستقبلياً لخدمة المنطقة.
ولوج الطلاب في التيارات الإسلامية تحت تأثير العاطفة تحدث عملية صقل وتحوير لقناعاتهم وتضييق لتوجهاتهم... الأمر الذي يذبح كل الآمال العلمية والمهنية
وبرغم ذلك لا يزال الحديث في هذا الموضوع في ظل غياب الدولة غير محمودا وذو رؤية ضبابية.