آخر تحديث :الخميس-04 سبتمبر 2025-01:22ص

عندما يبرز الثعلب في لباس الواعظين..

الثلاثاء - 02 سبتمبر 2025 - الساعة 06:11 م
د. الخضر عبدالله

بقلم: د. الخضر عبدالله
- ارشيف الكاتب


د. الخضر عبدالله :


منذ القدم ارتبط الثعلب في المخيلة الشعبية بالمكر والخداع، فهو الحيوان الذي يتقن الحيلة ويعرف كيف يتسلل بخفة إلى أعشاش الطيور أو حظائر الدجاج ليأخذ مبتغاه دون أن يترك أثراً. لكن ما أشد خطورة الأمر حين لا يظهر الثعلب في صورته الحقيقية، بل يتزيّن بلباس الورع والتقوى، ويتقمّص هيئة الناسك المتعبد، فيغدو أخطر من أن يُكتشف بسهولة.


إن لباس الناسك هنا رمز للزهد والورع، وللقيم التي يتطلع الناس إليها بإجلال. وحين يرتديه الثعلب، فإنما يهدف إلى تضليل العيون، وكسب ثقة القلوب، ليبث سمومه في هدوء، ويحقق مآربه دون أن يثير الشكوك. وهذا المشهد ليس مجرد صورة خيالية، بل هو واقع يتكرر في حياتنا اليومية، حين يختفي بعض البشر وراء قناع الفضيلة، بينما دواخلهم عامرة بالطمع وحب الذات.


إن المجتمع يواجه خطراً عظيماً حين يتقمص المنافقون أدوار الصالحين، فيرفعون شعارات الأخلاق والدين، بينما يسعون إلى مصالحهم الضيقة. هؤلاء أخطر من اللصوص العلنيين، لأن الناس تفتح لهم الأبواب والقلوب وهم يظنونهم قدوة، فإذا بهم ينهبون القيم قبل الأموال، ويخدعون العقول قبل الجيوب.


وقد قال الحكماء: "الذئب قد يُخشى من أنيابه، لكن الثعلب يُخشى من ابتسامته." وهكذا فإن قناع الزهد قد يجعل من المخادع مقبولاً عند الناس، بل ومحبوباً أحياناً، حتى إذا انكشف زيفه، يكون الضرر قد وقع والأثر قد عمّ.


إننا بحاجة إلى وعيٍ يقظ، يميز الجوهر من المظهر، والحقيقة من الزيف. فلا يكفي أن نُخدع بالمظاهر البراقة أو الألسنة الفصيحة، بل يجب أن نزن الأفعال بالحقائق، ونحكم على الناس بما يقدمون من عمل لا بما يدّعون من قول.

فحين يبرز الثعلب في لباس الواعظين ، فإن الأخطر ليس وجوده بحد ذاته، بل ثقة الناس العمياء به. فالوعي والبصيرة هما السلاح الحقيقي لكشف الأقنعة، وحماية المجتمع من أن يصبح فريسة سهلة للمكر المتخفي في ثياب الفضيلة.