آخر تحديث :السبت-06 سبتمبر 2025-06:36م

الرئيس علي ناصر (وازدواجية موقف معارضيه الجنوبيين)

الخميس - 04 سبتمبر 2025 - الساعة 10:39 ص
احمد سالم فضل

بقلم: احمد سالم فضل
- ارشيف الكاتب


من يتأمل في المشهد الجنوبي اليوم لا يمكنه أن يغفل أثر التاريخ الاجتماعي والسياسي الممتد منذ ما قبل الاستقلال، حيث كانت لكل منطقة جغرافيتها الخاصة وبنيتها الاجتماعية وولاءاتها المتباينة. ومع قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية جرى دمج هذه التكوينات في إطار إداري جديد قُسِّم إلى محافظات، غير أن الولاءات المناطقية لم تختفِ، بل ظلت كامنة وحاضرة في الممارسة السياسية والاجتماعية حتى يومنا هذا.


هذه المناطقية تحولت في كثير من الأحيان إلى أداة للخصومة السياسية، وأحد أبرز عوامل إضعاف الموقف الجنوبي الجامع. فبدلاً من أن يكون المعيار هو الموقف من قضية الجنوب وتطلعاته المشروعة، وبمشاركة جميع قواه ورموزه السياسية، يجري أحياناً تقييم الأشخاص وفقاً لانتماءاتهم المناطقية أو خلفياتهم التاريخية، لا وفقاً لما يطرحونه من أفكار وحلول سياسية عادلة لقضايا اليمن والجنوب.


وتتجلى هنا مفارقة واضحة: بعض التكوينات الجغرافية التي تُظهر حرصاً على الجنوب وقضيته، إذا التحق أحد رموزها بقوى أو أحزاب تناقض مشروع الجنوب، فإن الأصوات الناقدة تظل خافتة أو غائبة بدافع العصبية. بينما إذا صدر الموقف ذاته عن شخصية من منطقة أخرى، سُلطت عليه أبواق النقد والتجريح، وحُمِّلت مواقفه السياسية على أنها خروج عن الإجماع.


ولعل ما يتعرض له الرئيس السابق علي ناصر محمد مثال حيّ على هذه الازدواجية؛ فهو قائد سياسي معروف، لعب أدواراً بارزة في مراحل مختلفة من تاريخ الجنوب، غير أن النقد الموجّه إليه في كثير من الأحيان يتجاوز تقييم خياراته السياسية ليغدو استدعاءً لاصطفافات مناطقية قديمة.


إن استمرار هذه المعادلة لا يخدم الجنوب ولا قضيته، بل يفتح المجال لتفتيت الصف وتكريس الانقسامات. فالمصلحة الوطنية الجنوبية تقتضي أن يكون معيار التقييم هو الموقف السياسي ومدى انسجامه مع الحلول المطروحة في الإقليم وفي الحوارات الجارية في عواصم المنطقة، لا الانتماء المناطقي أو الولاءات الضيقة.


الجنوب اليوم أمام اختبار حقيقي: إما أن يتجاوز إرث التشظي القديم ويؤسس لمشروع جامع يقوم على العدالة السياسية والاجتماعية، وإما أن يظل أسير دوامة المناطقية التي لم تجلب له سوى مزيد من الضعف والانقسام.


إن من يظن أن المناطقية ستقود إلى بناء وطن واهم؛ فالوطن لا ينهض إلا بمشروع وطني جامع يتجاوز "أفيون المناطقية". والمفارقة أن من يبالغون في نقد الرئيس علي ناصر بدعوى مواقفه، يتغافلون عن آخرين ارتبطوا مباشرة بمشاريع صنعاء وتقلدوا مناصب عليا دون أن يُمسّوا بكلمة، لمجرد أن انتماءهم الجغرافي يحصّنهم من النقد.