أحمد محمود السلامي
عندما تحتكر نخبة ضيقة من البشر ، إدارة الدولة .. نخبة لا تمثل روح الأمة ولا تعبر عن غالبية الناس ، فإن ما يضيع أولاً ليس الاقتصاد أو السياسة فقط ، بل الشعور بالانتماء . يموت الحس الوطني بهدوء ، كما تموت الأشياء في الظل دون أن يلاحظها أحد ! فالوطن في تلك اللحظة لم يعد بيتاً يجمع أبناءه ويحتضنهم ، بل يتحول إلى مشروع خاص ، تُوزع مكاسبه على فئة قليلة ، بينما يُطلب من الآخرين الصبر .. وربما التضحية ! لكن كيف يمكن للناس أن يضحّوا من أجل وطن لا يعترف بهم؟ لا يراهم إلا أرقاماً ، أو عبئاً زائدًا على كاهله ؟ ، التضحية حينها لا تعني شيئاً ، بل تصبح نوعاً من العبث ، أو وفاءً غير مستحق .. ومع غياب العدالة ، وتآكل الثقة، يبدأ المواطن بالتراجع عن فكرة " الوطن كقضية "، ويتحول إلى فرد يبحث فقط عن مصلحته ليعيش ، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين .
وهكذا .. بدلاً من أن نبني مجتمعاً ، نخلق أفراداً معزولين ، كلٌ يركض خلف نجاته الخاصة . وما هو أخطر من الفساد ، هو ما تتركه هذه الحالة من أثرها الطويل : تفكك الروابط ، وضياع الهوية ، وتحول الشعوب إلى سكان يعيشون في بقعة جغرافية واحدة ، دون أن يربطهم مشروع وطني مشترك وجاد . لهذا ، لا يبدأ إصلاح حقيقي دون إعادة الدولة إلى الأمة .. وأن تصبح الدولة خادمة للشعب ، لا العكس .. أن نعيد بناء مؤسسات تحكمها الكفاءة والعدالة والعِلْم ، لا الولاءات والمصالح الضيقة . فالوطن ليس مجرد عَلَمْ ونشيد ، بل عقد اجتماعي واخلاق مشترك بين الجميع ، لا يُدار بشعارات جوفاء ، بل بسياسات تُنصف الجميع .